عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

امتحانات القبول في رياض الأطفال.. مقابلات أكاديمية تُحاصر البراءة

تحقيق: محمد نعمان

أثارت امتحانات القبول التي تفرضها بعض المدارس الخاصة على الأطفال المتقدمين للالتحاق بمرحلة رياض الأطفال موجة من الانتقادات حول مدى ملاءمة هذه الخطوة لعمر الطفل وجدواها التربوية، والأهم، تأثيرها النفسي والسلوكي على طفل لا يزال في بدايات تكوينه.

وبرغم أن بعض المدارس الخاصة، لا سيما ذات الرسوم المرتفعة، تبرر إجراء هذه الاختبارات بالحفاظ على مستوى تعليمي معين، أو بناء بيئة متجانسة فكرياً، لكن هذه الحجة، تواجه بعض التساؤلات التي نطرحها على المختصين في التحقيق التالي، ونستطلع خلاله أيضاً آراء أولياء الأمور.

رياض الأطفال، كما يُعرّفها المختصون، ليست مرحلة دراسية أكاديمية بقدر ما هي تمهيد للحياة المدرسية، وهي مساحة آمنة للتفاعل، لاكتساب مهارات اجتماعية، وتعزيز الفضول وتطوير المهارات الحركية واللغوية والمعرفية بطريقة غير مباشرة، لكن حين تُحاصر هذه المرحلة باختبارات قبول ومقابلات شبه أكاديمية، يتغير المشهد.

تلك الخطوة التي اتخذتها بعض المدارس الخاصة، والتي تبدو وجاهتها ظاهرياً، فرضت عدة تساؤلات حول من الذي يحدد مستوى الطفل وهل الذكاء المبكر مقياس ثابت؟ وماذا عن الذكاء العاطفي والاجتماعي؟ ولماذا يُحاسَب الطفل على قدراته في عمر لم تُتح له فيه حتى فرصة استكشاف نفسه أو محيطه.

يقول إبراهيم المانع أخصائي نفسي تربوي، إن الطفل في هذا العمر لا يملك آليات التعبير أو الدفاع عن نفسه كما نفعل نحن، ولا يجب أن تضعه أمام لجنة غريبة تطلب منه الأداء والتفوق في موقف مفاجئ، لأن ذلك يربك أعصابه ويؤثر في ثقته بنفسه.

وأضاف أن بعض الأطفال لا يتحدثون كثيراً مع الآخرين، وبعضهم قد ينسى حتى اسمه من شدة التوتر، ولا يعني هذا أنهم غير أذكياء، بل يعني ببساطة أنهم أطفال، وقال: «تخيل طفلاً في الرابعة من عمره، تتعلق عيناه بوجه والدته وهو يدخل غرفة صماء يجلس فيها ثلاثة بالغين يطلبون منه أن يرسم أو يكتب أو يجيب عن أسئلة لم يفهم معظمها، وهو ما يجعله يتلعثم أو يتردد وربما يبكي، وهو لا يدرك أن هذا الامتحان الشفهي سيحدد إن كان سيُقبل في مرحلة يُفترض أن تكون مدخله الآمن إلى عالم التعليم لا بوابته الأصعب».

ويرى المانع، أن هذا التوجه يعكس انحرافاً خطيراً في فهم وظيفة رياض الأطفال، وأسلوب يجعلنا وكأننا نقر بصبغ الأطفال بصبغة نخبوية لا تليق بأعمارهم، وكأننا نحول هذه المرحلة إلى نادٍ خاص بمن تتوفر فيه شروط معينة من الذكاء والمهارات، بينما في الحقيقية إنها المرحلة التي تُربي وتُنمّي.

تأثيرات نفسية

حذّرت الدكتورة مروة توفيق، الأخصائية في علم النفس التثقيفي والسريري بمركز ميدكير الطبي، من التأثيرات النفسية المحتملة لاختبارات القبول المبكر للأطفال في سن الرابعة أو الخامسة، مؤكدة أن هذه التجارب المبكرة يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، يتوقف أثرها على كيفية تقديمها واستجابة الطفل لها.

وأوضحت أن بعض الأطفال قد يخرجون من تجربة الاختبار بشعور عالٍ من الثقة والإنجاز، مما يسهل اندماجهم في المدرسية الجديدة، بينما قد يواجه آخرون مشاعر القلق والتوتر، خاصة إذا طُبقت معايير عالية أو غير واقعية من قبل الأهل أو المدرسة.

وأضافت أن القلق الذي يختبره الطفل في مقابلات القبول، قد يكون ناتجاً عن بيئة غير مألوفة، أو الخوف من الانفصال عن الوالدين، أو حتى عن الحساسيات الشخصية التي لا تراعى خلال عملية التقييم، حيث إن الرفض يترك أثراً نفسياً عميقاً على الطفل، كالشعور بالدونية أو فقدان الثقة بالنفس، وقد يمتد ذلك إلى صعوبات في العلاقات الاجتماعية أو التحصيل العلمي في مراحل لاحقة.

وأكدت أهمية فهم شخصية الطفل واستعداداته النفسية عند اتخاذ قرار إخضاعه لمثل هذه الاختبارات، وأن الأطفال الخجولين أو الحسّاسين قد يحتاجون إلى أساليب تقييم مختلفة.

وشدّدت على أن البيئة الداعمة والمشجعة، الخالية من الضغط والتقييم الصارم، هي المفتاح لتجربة تعليمية إيجابية في مرحلة الطفولة المبكرة، وما نحتاج إليه هو نظام قبول يُقدّر الفروق الفردية بين الأطفال، ويركز على تطوير مهاراتهم وتهيئتهم نفسياً، بدلاً من وضعهم في اختبارات قد تُفقدهم الحماسة للتعلم في أول الطريق».

ودعت د. مروة توفيق المدارس وأولياء الأمور لإعادة النظر في نهج اختبارات القبول، والاعتماد على ممارسات أكثر إنسانية وتربوية تُراعي مصلحة الطفل أولًا.

المواقف المختلفة

في استطلاع لآراء أولياء أمور عايشوا هذه التجربة، وكانت قصصهم ملأى بالمواقف المختلفة، حيث تقول انتصار مكي، والدة طفلة رفضتها إحدى المدارس الخاصة: «ابنتي ذكية جداً، لكنها خجولة، لذا وخلال المقابلة المدرسية، رفضت الإجابة عن أي سؤال بسبب الخوف».

وتعجبت قائلة: «لم أكن أعرف أنني سأضطر لتفسير مفهوم الرفض والذكاء لطفلة في الرابعة من عمرها».

فيما أضطر أحمد غانم، موظف، لدفع 500 درهم فقط نظير مقابلة القبول التي لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة، موضحاً أن المدرسة لم تعطه تقريراً مكتوباً، وقيل له إن طفله لا يناسبهم، وعندما حاول الاستفسار عن السبب، قالوا إنه لم يظهر استعداداً كافياً لتعلم الحروف، وتساءل: «هل يجب أن أُعدّ ابني وكأنه يتقدم لامتحان جامعي؟».

وأضاف أن المدرسة أعطته ملفاً يحتوى على قرابة 20 ورقة وكلها أسئلة عن الطفل وردود فعله في الغضب والفرح وتعامله مع الآخرين وطريقة أكله وارتداء الملابس، حتى طريقة لعبه، وهل يقوم بكسر الألعاب أم الاحتفاظ !

آلية اختبار

أكد التربويان عُمر خالد ومنصور عبد الرحمن، أن الجهات ذات الصلة على علم بهذه الإجراءات، لكنها لا تملك حتى اللحظة قانوناً يلزم المدارس بإلغاء امتحانات القبول في هذه مرحلة رياض الأطفال، واكتفت بالتوصيات فقط، ولا توجد إجراءات محددة في هذا الشأن، لافتين إلى إمكانية إعادة النظر في بعض السياسات لضمان عدم تعارض إجراءات القبول مع المبادئ التربوية الحديثة، خصوصاً في المراحل المبكرة.

وقالا إن الأنظمة التعليمية تتفاوت من بلد لآخر، لكن في الكثير من الدول، لا توجد قوانين صريحة تمنع أو تنظم آلية اختبار الأطفال في هذه المرحلة، ما يمنح المدارس هامشاً واسعاً للتصرف حسب رؤيتها، ما دامت تحت مظلة «المدارس الخاصة».

اختبارات مصيرية

أجمع اختصاصيون في التربية الحديثة، على أن الطفل في عمر ما قبل المدرسة يحتاج لدعم نفسي وعاطفي، لا إلى اختبارات مصيرية، وقال الدكتور محمد عيسى، إن التقييم المبكر للأطفال قبل دخول المدرسة قد يكون مفيدًا إذا تم تقديمه كأداة لفهم احتياجات الطفل، لا كوسيلة للإقصاء أو التصنيف.

وأضاف: «الاختبارات ليست خاطئة في جوهرها، لكن الطريقة التي تُدار بها هي الفيصل، وعندما تُستخدم لتوجيه الدعم التربوي، فإنها تسهم في تعزيز فرص النجاح المدرسي، حيث إن بعض الأطفال يستفيدون من التحفيز المبكر، شرط أن يكون بعيداً عن الضغط والتوقعات المبالغ فيها، مع توفير بيئة آمنة تحترم الفروق الفردية، ودعا لإعادة تعريف مفهوم القبول، ليكون مدخلًا لفهم الطفل، لا اختبارًا لعبوره.

فيما أوضحت الدكتورة رشا محمد، أن البديل الأفضل لامتحانات القبول هو جلسات التفاعل التربوي، التي تتيح للمدرسة التعرف على الطفل بطريقة مرنة، دون إلزام أو ضغط. واقترحت أن تُبنى معايير القبول على أساس التواصل مع الأهل، لأنهم الأكثر معرفة بطفلهم، إضافة إلى جلسات لعب حرة مع المعلمات، تسمح بملاحظة المهارات بشكل غير مباشر، لافتة إلى أن عقل الطفل في هذا العمر ليس صفحة جاهزة للاختبار، بل فضاءٌ للتشكيل والاحتواء، وما تزرعه فيه يرافقه طويلاً. وأشارت د. رشا محمد إلى أن بعض المدارس الخاصة تحولت إلى مؤسسات تجارية هدفها الانتقاء لا التربية، ما يستدعي تساؤلات هل يمكن أن تعكس مقابلة سريعة مستقبل طفل لم يتجاوز الخامسة؟

وما بين الواقع المثقل بالرسوم والاختبارات، والطموح لبيئة تعليمية أكثر رحمة وعدلاً، تبقى مطالبات التربويين والمختصين واضحة، وهي إعادة البراءة إلى رياض الأطفال وأن تكون بداية آمنة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا