الشارقة: سارة المزروعي المجالس الشعبية في المجتمع الإماراتي مكوّن ثقافي وتراثي أصيل، يعكس هوية الأجداد وحكمة الماضي، وتمثل منصة تجمع أفراد المجتمع بمختلف أعمارهم وخلفياتهم، في هذه المجالس، يُتداول الحوار الهادف، وتُناقش القضايا المجتمعية، وتُروى القصص التي تحمل في طياتها تجارب حياة غنية بالقيم والمعاني.لطالما عُرفت المجالس بأنها مساحة تحتضن قيم التسامح والتكافل والاحترام، حيث يتبادل روادها الحكايات والدروس التي تنقل تجارب الأجيال السابقة، إنها نافذة يطل منها الشباب على خبرة كبار السن وتجاربهم التي تحمل في طياتها دروساً في الحكمة والصبر والأخلاق. ورغم التغييرات المواكبة للعصرنة لا تزال المجالس متمسكة بأصالتها.وتتميز المجالس الإماراتية ببساطتها وطابعها التراثي، وهي مفتوحة للجميع، وتعكس في استقبالها للضيوف كرم الضيافة الإماراتي المتوارث وإلى جانب كونها مجالس للتلاقي الاجتماعي، فإنها تشكّل بيئة تعليمية غير مباشرة، يتعرّف فيها الجيل الجديد إلى ثقافة المجتمع وأدبيات التواصل. دور محوري يؤكد أحمد محمد، أن المجالس كانت ولا تزال جزءاً متجذراً في الثقافة الإماراتية، لما لها من دور محوري في توفير مساحة للتلاقي وتبادل الرؤى والأفكار، حيث يلتقي فيها أفراد المجتمع من مختلف الخلفيات لتداول النقاشات الفكرية والثقافية في بيئة تجمع بين العفوية والاحترام، وقد شكّلت هذه المجالس عبر العقود الماضية منبراً لاكتشاف وصقل المواهب، خاصة في ميادين الشعر والمحاورات الشعبية، وأسهمت في نقل القيم والخبرات بين الأجيال، ما جعلها أداة فعّالة في الحفاظ على الهوية الثقافية، ورغم التغيرات الحديثة، تحافظ المجالس على حضورها الموسمي القوي، خصوصاً خلال شهر رمضان، حيث تنشط لقاءاتها وتزدهر الأحاديث وتُطرح القضايا المجتمعية بجرأة ووعي، وسط اهتمام إعلامي وشعبي يعكس تقدير المجتمع لهذه المنصات التاريخية.يضيف: كما أن المجالس المجتمعية اليوم تؤدي دوراً متجدداً في تعزيز التماسك الاجتماعي، إذ تسهم في تقوية أواصر التواصل بين السكان، ليس فقط داخل الحي الواحد، بل تمتد لتشمل سكان المناطق المجاورة، وتُعد هذه المجالس بيئة مناسبة لتبادل الآراء، ووسيلة فعالة لمعالجة الخلافات البسيطة عبر الحوار الهادئ، ما يعكس روح التفاهم والتلاحم التي تميز المجتمع الإماراتي. تطور يواكب العصر رغم التغيرات الاجتماعية المتسارعة، حافظت المجالس الشعبية على جوهرها، وطوّرت من شكلها وآليات عملها لتتماشى مع روح العصر وبذلك، تبقى هذه المجالس ركيزة من ركائز التلاحم المجتمعي، وعنصراً محورياً في تعزيز الولاء والانتماء الوطني، مستمدة قوتها من تراثها العريق وتطلعاتها المستقبلية. وفي إطار الحفاظ على هذا الإرث وتفعيله، بادرت بعض الإمارات إلى تأسيس مجالس مفتوحة في الأحياء، لتكون مراكز للتواصل المجتمعي تنظم فعاليات معرفية وتوعوية، وفي هذا السياق، قال د.علي بن نايع الطنيجي، مدير مجلس محمد بن حمد الشرقي عبر حساب المجلس على منصة «إنستغرام»: إن المجلس يعمل على تنظيم برامج معرفية تنسجم مع رؤية الدولة في «عام المجتمع»، وتُنفذ بتوجيهات سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، بهدف تمكين الأفراد وتعزيز تفاعلهم مع قضايا مجتمعهم. المجالس متنفس يرى عبدالعزيز الجابري، أن المجالس تمثل متنفساً حقيقياً بعد أوقات العمل، إذ توفر أجواء تجمع بين الودّ والحوار البنّاء، وتتيح للأفراد فرصة لتبادل وجهات النظر واكتساب معارف جديدة. ويؤكد أن هذه المجالس تلعب دوراً في تعميق التفاهم بين الأجيال، وتنقل القيم والعادات بروح تلقائية، بعيداً عن الطابع الرسمي.أما محمد الزيودي، المنسق والمسؤول عن أحد المجالس، فيؤكد أن المجالس اليوم باتت أكثر شمولاً، حيث تستضيف فعاليات اجتماعية متنوعة تشمل حفلات عقد القران الصغيرة، والاحتفالات الوطنية، ومجالس العزاء، إضافة إلى أنشطة تطوعية تخدم الصالح العام.ويشير إلى أن المجلس الذي يديره أصبح مركزاً مجتمعياً نابضاً يجمع سكان المنطقة والمناطق المجاورة، ويُعزز مفهوم المشاركة والتعاون في بيئة تحترم التقاليد وتستشرف المستقبل.