تاريخ الأزمات المالية الكبرى 1- هوس التوليب الهولندي (1637): حين استبدّ الجنون بالزهور - في ثلاثينيات القرن السابع عشر، اجتاح هولندا نوع غير مسبوق من الحمى الاستثمارية؛ بيد أنها لم تكن حول الذهب أو الأراضي، بل حول أزهار التوليب. - بلغ الهوس حدًّا دفع ببعض الأثرياء إلى رهن ممتلكاتهم مقابل الحصول على بصيلة واحدة فقط، بل وصل سعر بعضها إلى ما يعادل ثمن منزل فاخر في أمستردام. - لكن، كما هي نهاية كل فقاعة، انهارت السوق في ربيع 1637، مُخلّفة وراءها خسائر فادحة وإفلاسًا جماعيًا في واحدة من أوائل الأزمات المالية المعروفة بالتاريخ الحديث. 2- فقاعة بحر الجنوب (1720): تجارة على الورق وثراء زائف - في بدايات القرن الثامن عشر، تأسست شركة بحر الجنوب البريطانية بدعم رسمي واعد باحتكار التجارة مع مستعمرات أمريكا الجنوبية. - غير أن المشروع لم يكن سوى غطاء لتحويل الديون الحكومية إلى أسهم، تم تسويقها بحماسة منقطعة النظير، ما دفع بسعر السهم من 130 إلى أكثر من 1050 جنيهًا إسترلينيًا خلال بضعة أشهر. - انهار كل شيء في غضون أسابيع، وتهاوى السعر إلى 170 جنيهًا فقط، لتنفجر واحدة من أشهر الفقاعات الاقتصادية في التاريخ. - حتى إسحاق نيوتن لم ينجُ من خسائرها، وعلّق على ذلك بمرارة: "أستطيع حساب حركة الأجرام السماوية، لا جنون البشر". 3- الانهيار الكبير في وول ستريت (1929) - مثّل انهيار سوق الأسهم الأمريكية في أكتوبر 1929 لحظة فاصلة في التاريخ الاقتصادي العالمي. - على مدى 3 أيام متتالية – الخميس، والاثنين، والثلاثاء– تهاوت الأسواق الأمريكية بشكل كارثي، بعدما بلغ مؤشر داو جونز ذروته في سبتمبر من العام ذاته. - انهار المؤشر بنسبة فاقت 80% في السنوات التالية، وتسببت الأزمة في موجة إفلاسات واسعة، وأدت إلى إغلاق أكثر من 10 آلاف بنك، وكانت الشرارة الكبرى التي أشعلت "الكساد الكبير" وجعلت العالم يعيد التفكير في النظام المالي برمّته. 4- جمهورية فايمار (1931): انهيار مصرفي ونقدي مهّد لصعود النازية - عانت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى من تضخم مفرط ومديونية خانقة. - وفي عام 1931، تلقى النظام المصرفي الألماني ضربة قوية عندما توقف "الرايخسبانك" عن تقديم السيولة، فتبع ذلك حالة ذعر أدت إلى انهيار اثنين من أكبر البنوك. - أدى هذا الانهيار إلى توقف ألمانيا عن سداد ديونها وتعويضات الحرب، وخلق بيئة مثالية لصعود التيارات المتطرفة، وعلى رأسها النازية، وهو ما اعتُبر مقدمة مباشرة للكارثة الكبرى: الحرب العالمية الثانية. 5- أزمة النفط (1973) - تُعد أزمة النفط في عام 1973 نقطة تحول في الاقتصاد العالمي؛ ففي أعقاب حرب أكتوبر، قررت الدول العربية المنتجة للنفط فرض حظر على تصدير الخام إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل. - أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 300%، وتعرض الاقتصاد الأمريكي والغربي لركود تضخمي خانق. - ظهرت طوابير الوقود، وتدهورت البورصات، وأُعيد تشكيل الصناعات والسياسات المتعلقة بالطاقة بشكل جذري، لتصبح الطاقة منذ ذلك الحين أداة جيوسياسية بامتياز. 6- الإثنين الأسود (1987) - في 19 أكتوبر 1987، شهدت الأسواق العالمية سقوطًا حرًا غير مسبوق، عندما خسر مؤشر داو جونز 22.6% من قيمته في يوم واحد. - ومع أن الانهيار لم يرتبط بأحداث اقتصادية كبرى، فإن سببه نُسب إلى التداول الآلي والمشتقات المالية. - بدأت الأزمة عالمية؛ في هونج كونج ثم انتقلت إلى أوروبا وأمريكا، وخسرت معظم البورصات ما يصل إلى 40% من قيمتها خلال أسابيع. - ومع ذلك، تعافت الأسواق سريعًا، لتؤكد أن الأزمات قد تكون عابرة وإن كانت مزلزلة. 7- الأربعاء الأسود (1992): سقوط الجنيه الإسترليني... وصعود سوروس - في 16 سبتمبر 1992، عاشت المملكة المتحدة يومًا كارثيًا سُجّل في تاريخها الاقتصادي باسم "الأربعاء الأسود". - بعد محاولات يائسة لدعم الجنيه الإسترليني أمام المارك الألماني ضمن آلية سعر الصرف الأوروبية، انهارت العملة تحت وطأة المضاربة وضغوط الأسواق. - أنفقت وزارة الخزانة البريطانية أكثر من 27 مليار دولار في محاولة للدفاع عن الجنيه، لكنها فشلت في مواجهة مضاربين يتصدرهم جورج سوروس، الذي ربح قرابة مليار دولار في يوم واحد. - كانت الأسواق تدرك أن الجنيه مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، وأن المملكة المتحدة لا تستطيع مجاراة السياسة النقدية الألمانية. - ومع انسحاب بريطانيا من الآلية الأوروبية، بدأ فصل جديد من السياسة النقدية الأكثر مرونة. 8- الأزمة المالية الآسيوية (1997): النمور تسقط من عليائها - كانت التسعينيات شاهدة على الطفرة الاقتصادية في شرق آسيا، حيث تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية وتضاعفت معدلات النمو. - لكن خلف هذا الازدهار، كانت تتراكم قروض قصيرة الأجل، ومعظمها بالدولار. - حين ارتفعت أسعار الفائدة في أمريكا، وبدأ الدولار في الصعود، واجهت عملات آسيا خطر الانهيار. - بدأت الأزمة في تايلاند، مع تعويم عملة البات وسقوطها، قبل أن تنتقل كالنار في الهشيم إلى إندونيسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها. - تدخل صندوق النقد الدولي، لكن سياسات التقشف عمّقت الألم قبل أن يبدأ التعافي التدريجي. 9- الأزمة الروسية (1998): الروبل يهوي وسط أزمة متعددة الجبهات - عاشت روسيا في أواخر التسعينيات مزيجًا قاتلاً من التدهور الاقتصادي، وانخفاض أسعار النفط، وعجز مالي متضخم. - لجأت الحكومة إلى إصدار سندات قصيرة الأجل فيما يشبه مخططًا هرميًا ماليًا؛ لكن عندما فقد المستثمرون ثقتهم، انهار النظام. - في أغسطس 1998، أعلنت الحكومة الروسية تخلفها عن السداد، وانهار الروبل في وقتٍ قياسي، وأغلقت البورصة، وانهارت بنوك كبرى، ومنها بنك "إنكومبانك". - المفارقة أن روسيا تعافت بسرعة نسبية، مدفوعة بصعود أسعار النفط لاحقًا، لكن الثقة بالأسواق الناشئة تلقت ضربة قاسية. 10- أزمة الائتمان الكبرى (2007–2009): الموت البطيء للنظام المالي العالمي - لم تكن أزمة 2008 انفجارًا مفاجئًا بقدر ما كانت انهيارًا متدرجًا، بدأ بانكشاف النظام المالي العالمي على قروض الرهن العقاري عالية المخاطر في الولايات المتحدة. - ومع تفاقم الخسائر وتعثر البنوك، توقفت المؤسسات المالية عن إقراض بعضها بعضًا، وتجلّت أزمة ثقة كاملة. - سقط بنك "ليمان براذرز"، واستحوذ "جي بي مورجان" على "بير ستيرنز"، وتأممت بنوك ومؤسسات عملاقة في أمريكا وأوروبا. - ضخت البنوك المركزية مئات المليارات من الدولارات لتهدئة الأسواق، لكن الجرح العميق ظل نازفًا لسنوات. - غيرت الأزمة قواعد اللعبة، ودفعت نحو تشديد الرقابة، لكنها لم تقضِ على جذور الخطر.