في مشهد متأزم وانقسام سياسي حاد، تعيش كوريا الجنوبية مرحلة حرجة، بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعزل الرئيس، يون سوك يول، إثر إعلانه حالة الطوارئ، في ديسمبر الماضي، بصورة غير دستورية، ما أثار موجة احتجاجات واسعة أطاحت به من الحكم. هذا القرار أعاد إلى الأذهان ذكريات الماضي الاستبدادي، وأشعل الانقسام السياسي داخل البلاد. وبينما تتجه الأنظار إلى الانتخابات المبكرة، المقررة في الثالث من يونيو المقبل، تتصدر التوقعات فوز حزب المعارضة الليبرالي «الحزب الكوري الديمقراطي»، بقيادة لي جاي ميونغ، السياسي المثير للجدل، الذي نجا من محاولة اغتيال، العام الماضي، رغم ما يواجهه من تهم قضائية قد تعيق ترشحه. في المقابل، يواجه حزب سلطة الشعب الحاكم انقساماً داخلياً حاداً، فقد استقال الرئيس المؤقت، هان دوك سو، من منصبه، بينما أعلن عضو البرلمان عن الحزب، يو سونغ مين، ترشحه كمستقل، ما زاد من تشتت أصوات المحافظين. وكان الحزب الحاكم اختار في البداية وزير العمل السابق، كيم مون سو لخوض الانتخابات، لكنه ألغى هذا الترشيح أول من أمس. وقال الحزب في بيان، إنه استبدل به هان دوك سو الذي كان يخوض حملته الانتخابية بصفته مستقلاً. فوضى سياسية ومع بدء محاكمة الرئيس المعزول يول بتهم التمرد، تتصاعد الدعوات لمعاقبة من دعموا حكمه، بل وصل الأمر إلى مطالبة البعض بحل حزب سلطة الشعب نهائياً. وفي الوقت ذاته، يواصل أنصار يول إلقاء اللوم على ما وصفوه بـ«مؤامرات اليسار» التي تسببت في سقوطه. وسط هذه الفوضى السياسية، يُطرح بقوة خيار إصلاح دستوري يحد من صلاحيات الرئيس. ويؤيد هذا الطرح شخصيات من كلا المعسكرين السياسيين، مثل رئيس الجمعية الوطنية ووي وان شيك، من الحزب الديمقراطي، وهونغ جون بيو، من الحزب الحاكم. العلاقات الخارجية أما على صعيد العلاقات الخارجية، فالمشهد أكثر تعقيداً. فقد كان الرئيس يون سوك يول، مفضلاً لدى إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، بسبب مواقفه الحازمة تجاه كوريا الشمالية، وتوجهاته المؤيدة لتحالفات قوية مع الولايات المتحدة واليابان. لكنه تجاهل الرأي العام المحلي، وأبعد كوريا الجنوبية عن الصين. ومقابل ذلك، يتبنى لي جاي ميونغ رؤية أكثر واقعية، ويبدو أنه أقرب إلى توجهات الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، رغم اختلاف الأيديولوجيات، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة التفاوض حول الوجود العسكري الأميركي، ومواقف أكثر مرونة تجاه الصين. ورغم خطابه الانتخابي الداعي إلى تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية، فإن ميونغ، يدعو أيضاً للحفاظ على قنوات الحوار معها، ما يشير إلى سياسة مزدوجة تقوم على الردع والتفاوض. فقبل بضعة أشهر، قال ميونغ، إن «انهيار العلاقات بين الكوريتين، بسبب سياسة كوريا الشمالية المتشددة، أدى إلى زيادة التوترات العسكرية». وبدا كلامه أكثر تشدداً، عندما أضاف: «أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نحتفظ الآن باستعداد عسكري قوي، ونعزز قدراتنا للرد على التهديدات النووية لكوريا الشمالية»، لكنه استدرك وأكد: «في الوقت ذاته يجب الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة، ومتابعة جهود الحوار بموازاة القوة العسكرية». سيؤول وواشنطن ويبدو أن أصعب مشكلة تواجه سيؤول وواشنطن هي العلاقة بينهما مستقبلاً، حيث قام ترامب بأول اتصال بالرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية هان دوك سو، بداية أبريل الماضي، وتحدثا عن الاقتصاد وأمور عامة. وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، أكد على دعم الولايات المتحدة لحليفتها كوريا الجنوبية، أثار ترامب في وقت سابق لذلك، إمكانية سحب الحامية الأميركية في كوريا الجنوبية، وطالبها بزيادة الأموال التي تدفعها إلى 10 مليارات دولار، أي بزيادة ثماني أضعاف على السابق، إذ تساور ترامب الشكوك بجدوى تقديم الدعم لكوريا الجنوبية. وسيقاوم أي شخص يتم انتخابه في كوريا الجنوبية دفع المزيد، لكن من المرجح أن يكون ترامب أكثر إصراراً في ولايته الثانية، وقد يكون أكثر ميلاً إلى تخفيض مستوى العلاقات الدفاعية، إذا أعاد بناء العلاقات مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون. الصين وأوروبا ولايزال الرأي العام في كوريا الجنوبية سلبياً إزاء الصين، على الرغم من وجود تكهنات بأن بكين تخطط لتشجيع الاستثمار من خلال إلغاء العقوبات غير الرسمية التي فرضتها رداً على نشر نظام صواريخ «ثاد» الأميركية. وإذا رفض ترامب التفاوض على تخفيف القيود التجارية مع سيؤول، فقد تعمل حكومة ميونغ على تقريب الاقتصاد الكوري الجنوبي من الاقتصاد الصيني. وفي الواقع، من المرجح أن يكون هذا هو هدف الصين في الوقت الذي تحشد فيه مقاومة دولية لسياسات واشنطن التجارية. وفي ما يتعلق بأوروبا، ينتقد ميونغ اندفاع يون سوك يول نحو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويرى أن الدعم الأوروبي المحتمل في أي صراع إقليمي سيكون محدوداً، ما يعكس تفضيلاً لنهج أكثر براغماتية في العلاقات الدولية. عن «فورين بوليسي» مرحلة مصيرية تواجه كوريا الجنوبية مرحلة مصيرية، حيث سيحدد الرئيس المقبل ليس فقط مستقبل الديمقراطية في الداخل، بل أيضاً تموضع البلاد الجيوسياسي بين القوى الكبرى في عالم يشهد تغيراً سريعاً. . مع بدء محاكمة الرئيس المعزول، تتصاعد دعوات لمعاقبة من دعموا حكمه، بل وصل الأمر إلى مطالبة البعض بحل حزب سلطة الشعب نهائياً. . ميونغ يبدو أنه أقرب إلى توجهات ترامب، في ما يتعلق بإعادة التفاوض حول الوجود العسكري الأميركي، ومواقف أكثر مرونة تجاه الصين. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App