على مدار القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة وكندا أفضل صديقين، وبدا أن نشوب حرب بينهما ضرباً من الخيال، لكن قبل ذلك كان هذا الاحتمال وارداً دائماً لدى الاستراتيجيين العسكريين على جانبي الحدود، ويعود ذلك جزئياً إلى أن البلدين خاضا حروباً من قبل، أما اليوم فقد تفاقمت المخاوف، عندما تحدث الرئيس، دونالد ترامب، صراحة عن توسيع حدود الولايات المتحدة، حتى أعالي القطب الشمالي، مُصّراً على أن غرينلاند ستكون أكثر أماناً كإقليم أميركي، وتستطيع كندا الانضمام إلى الاتحاد الأميركي كولاية رقم 51، ويصر ترامب على أن هذا سيحدث بالوسائل السلمية.
الكنديون لا يريدون ذلك، فبعد تنصيب ترامب بفترة وجيزة، في يناير الماضي، ارتفعت عمليات البحث على «غوغل» لعبارة «غزو كندا» بشكل كبير.
ويدعو الكنديون المتحمسون إلى ضرورة تسليح مواطنيهم تحسباً لأي طارئ، لكن لايزال احتمال نشوب حرب بين الحليفين ضئيلاً للغاية، ومع ذلك يبحث المفكّرون الاستراتيجيون على جانبي الحدود في شكل هذا الصراع.
التخطيط للحرب
في نهاية المطاف، فإن التخطيط للحرب والطوارئ لا يعني أن ذلك سيقع بالتأكيد، لكن يأتي التخطيط تحسباً لكلِ سيناريو متصوّر، بما في ذلك السيناريو غير المرجَّح، فالمرة الوحيدة التي خاضت فيها الولايات المتحدة حرباً مع جارتها كانت في عام 1812، عندما دخلت القوات الأميركية في معركة فوضوية ومضطربة ضد بريطانيا العظمى وأراضيها.
وبلغت الحرب ذروتها المأساوية عندما أبحرت القوات البريطانية عبر خليج «تشيسابيك»، ودخلت واشنطن العاصمة، واقتحمت البيت الأبيض المهجور، وأكل الجنود عشاء الرئيس، جيمس ماديسون، وشربوا نبيذه، ثم أشعلوا النار في معظم أنحاء العاصمة.
وعندما التقى الطرفان في بلجيكا لإجراء محادثات سلام، اتهم البريطانيون الولايات المتحدة بإعلان الحرب، والسعي إلى «غزو كندا وضمها بشكل دائم للولايات المتحدة»، ونفى ممثلو الولايات المتحدة هذا الاتهام، لكن تصريحات جنرالاتهم قوضت موقفهم، وأعادت اتفاقية السلام الحدود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وتضاءلت المخاوف بمرور الوقت، لكن احتمال نشوب حرب أخرى ظلّ مرجحاً للغاية طوال معظم القرن الـ19.
وفي حين التزمت بريطانيا رسمياً الحياد خلال الحرب الأهلية، تورطت في أزمة دبلوماسية عندما احتجزت مبعوثَين كونفيدراليين، كانا متجهين إلى لندن على متن سفينة إنجليزية عام 1861، وكان احتمال نشوب الحرب حاداً، لدرجة أن حاكم كندا نقل قواته وإمداداته إلى الحدود.
وفي النهاية ساد الهدوء، لكن الأمور عادت إلى التوتر بعد سلسلة من الغارات، واغتيالات لمسؤولين بريطانيين كبار، نفذتها «جماعة الإخوان الفينيين» بمدينة نيويورك في ستينات وسبعينات القرن الـ19، وتعد «جماعة الإخوان الفينيين» هي المقابل الأميركي لجماعة الإخوان الجمهوريين الإيرلندية، وهي منظمة أخوية سرية كُرست لإنشاء جمهورية ديمقراطية مستقلة في إيرلندا بين عامي 1858 و1924.
وكان احتمال الغزو حاضراً بقوة لدى رئيس الوزراء، جون أ. ماكدونالد، أول زعيم للاتحاد الكندي الجديد، فشرع فوراً في إعداد كندا لمثل هذا الغزو، وبدأ بإنشاء خط سكة حديد يربط بين الشرق والغرب، مصمم لنقل القوات من ساحل إلى آخر عند الحاجة.
كما أسس شرطة الخيالة الشمالية الغربية، التي أصبحت لاحقاً شرطة الخيالة الملكية الكندية، لتكون بمثابة «ميليشيا» دائمة للحماية من مجرمي البراري، وقمع سيادة السكان الأصليين، والحماية من أي غزو محتمل من قِبل القوات الأميركية.
«خطة الدفاع 1»
وفي عام 1921، بدأ المقدم الكندي، جيمس باستر ساذرلاند براون، بإعداد «خطة الدفاع رقم 1»، ورغم أن هذه الاستراتيجية صدرت بأمر من رؤسائه، إلا أنها لم تكن خطة معتمدة رسمياً لأسباب واضحة، ووفقاً للخطة فإن القوات الكندية، مستغلة الحدود الطويلة ضعيفة الدفاع، ستنظم هجوماً على خمس جبهات جنوباً، بهدف الاستيلاء على خطوط السكك الحديدية والاتصالات الحيوية، وتدميرها، لإضعاف قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب.
ومن هناك ستتراجع القوات الكندية بسرعة، وتعيد تنظيم صفوفها خلف خطوط دفاعية، وكانت استراتيجية لكسب الوقت لوصول تعزيزات بريطانية من جميع أنحاء العالم، إلا أن الخطط كانت مثيرة للجدل، لدرجة صدور أوامر بإلغائها بعد وقت قصير من كتابتها.
وبعد أقل من عقد من الزمان، بدأ الاستراتيجيون الأميركيون في تطوير نسخة طبق الأصل من هذه الخطط، سُميت الخطة الحربية «الحمراء»، ودرست صراعاً عالمياً بين الولايات المتحدة «الزرقاء»، والمملكة المتحدة «الحمراء»، وفي هذه الخطة أُطلق على كندا الاسم الرمزي «القرمزي»، وتتناول الخطة تفاصيل مخاطر مثل هذا الغزو، وستكون بحيرات نوفا سكوشا العديدة مفيدة لخطوط الدفاع الكندية، ومدينة «سولت سانت ماري» الحدودية في أونتاريو، قليلة السكان وضعيفة التطور، ومدينة «فانكوفر» في كولومبيا البريطانية، تتمتع بشبكة اتصالات وسكك حديدية كافية لتسهيل وصول التعزيزات البريطانية، وما إلى ذلك، لكن في السنوات التالية، تضاءل احتمال الحرب شيئاً فشيئاً، وأثارت سلسلة من النزاعات التجارية في أواخر القرن الـ19 احتمال استخدام واشنطن الإكراه الاقتصادي لفرض اتحاد مع كندا، على الرغم من أن فكرة اندلاع حرب جديدة أصبحت مثيرة للسخرية بشكل متزايد.
وتوضح خطط الحرب أنه إذا كانت أميركا تأمل في كسب حرب ضد الإمبراطورية البريطانية، فإن الاستيلاء على كندا أمر لا مفر منه، وخلص الاستراتيجيون الأميركيون إلى أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستيلاء على المنطقة الواقعة بين مدينتي كيبيك وتورنتو، ما قد يؤدي فعلياً إلى فصل البلاد إلى قسمين، وتعطيل الاتصالات، وتسهيل السيطرة على العاصمة، أوتاوا، والإبحار للاستيلاء على ميناء «هاليفاكس»، وفي حين أن الخطط متفائلة بتحقيق النصر الأميركي، إلا أن هيئة الأركان المشتركة سلّطت الضوء على نقطة ضعف محتملة للولايات المتحدة، وهي قناة بنما.
حرب «غير واردة»
لكن يبدو أن احتمالات حرب بين البلدين لم يعد وارداً، عندما وقّعت كل من الولايات المتحدة وكندا اتفاقية في نيويورك، عام 1940، ألزمت كلا الجانبين بتحمل مسؤولية مشتركة في «الدفاع عن النصف الشمالي من الكرة الأرضية»، وأنشأت مجلس دفاع مشتركاً دائماً، مسؤولاً عن الإدارة المشتركة للأمن القاري.
ومنذ ذلك الحين، تكاملت جيوش الولايات المتحدة وكندا وصناعاتها الحربية واقتصاداتها وتوجهاتها الاستراتيجية تكاملاً عميقاً ومدروساً، وفي السنوات التالية، شكّل هذا التكامل إنشاء قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية (نوراد)، وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وطوال الحرب الباردة، دأبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ومراكز الأبحاث، مثل مؤسسة «راند»، على وضع استراتيجيات ومحاكاة احتمال سقوط الدول الأوروبية في قبضة النفوذ السوفييتي، لكن العلاقات الأميركية الكندية كانت متينة للغاية خلال تلك الحقبة، لدرجة أنه لم يكن وارداً أن تُصبح كندا عبئاً، أو حتى تهديداً للولايات المتحدة.
لكن خلال تلك الفترة، عقّدت منطقة واحدة الأمور وهي القطب الشمالي، فمنذ نشأتها كدولة، لم تُعر كندا اهتماماً يُذكر للشمال الأقصى، ودفعت الحرب الباردة، وقرب روسيا منها، إلى تركيب شبكة من رادارات الإنذار المبكر في جميع أنحاء أراضيها الشمالية، كما أشار تقرير أصدرته وزارة الدفاع الوطني الكندية عام 1980، إلى أنه في حين يعتبر القطب الشمالي جزءاً أساسياً من الأمن القاري، وكان هناك خلاف جوهري بين الولايات المتحدة وكندا، حول المسؤول الفعلي عنه، وفي حين اعتبرت كندا أن المياه الممتدة بين الأرخبيل الصخري لأراضيها الشمالية هي مياهها السيادية الحصرية، تعتبرها الولايات المتحدة «مضايق دولية».
منطق ترامب
وحذّر التقرير الكندي لعام 1980 من أن «أكبر تهديد للسلطة الكندية في القطب الشمالي قد يأتي من الولايات المتحدة»، فبعد خمس سنوات، أبحرت كاسحة الجليد «بولار سي» التابعة لخفر السواحل الأميركي عبر الممر الشمالي الغربي دون إبلاغ كندا، ما أثار خلافاً دبلوماسياً، وتم حسم هذه القضية عام 1988، عندما وافقت الولايات المتحدة على طلب الإذن من كندا قبل الإبحار عبر القطب الشمالي، لكن الاتفاق لم يحسم مسألة ما إذا كانت المياه إقليماً تابعاً لكندا أم لا، فإذا تزايدت التوترات بين كندا والولايات المتحدة في السنوات المقبلة، فمن المرجح أن يكون ذلك حول مسألة السيادة على القطب الشمالي.
ويقول أحد المحللين إنه «إذا كانت غرينلاند والقطب الشمالي مهمين استراتيجياً، ولم تستطع الدنمارك الدفاع عن غرينلاند، فإن مسؤولية الدفاع عن غرينلاند تقع على عاتق أميركا، وليست جهة أخرى»، ويستخدم ترامب منطقاً مشابهاً لكندا، فهو يعتقد اعتقاداً راسخاً أن الدولة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ليست دولة حقيقية.
والاعتقاد السائد هو أنه إذا كانت هناك خطط حربية لصراع مفاجئ بين الولايات المتحدة وكندا، فمن غير المرجح أن تُبصر النور في هذا العقد، وربما حتى في هذا القرن. عن «فورين بوليسي»
. الولايات المتحدة قد لا تُخطط لغزو شامل لكندا، إلا أن هناك سبباً للاعتقاد بأن البيت الأبيض قد يُدبّر محاولة جديدة لفرض سيطرته على الممرات الملاحية الحيوية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.