اقتصاد / ارقام

الكل يربح إلا أنا .. حكاية المستثمر العادي حين تصعد الأسواق

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

في شقة صغيرة تطل على أحد شوارع بروكلين في نيويورك، جلس "إيثان ميلر" وهو موظف يبلغ من العمر 29 عامًا، يحدق في شاشة حاسوبه الشخصي في شتاء 2021، وكانت تومض أمامه أرقام خضراء وحمراء في تداول الأسهم.

 

وكانت أسهم جيم ستوب حينها تحلّق في السماء، مدفوعة بحماس منتدى "وول ستريت بيتس" على ريديت حيث كان يتحدث الجميع عن "الفرصة التي لا تُعوض".

 

 

"ميلر"، الذي كانت لديه خبرة محدودة بالاستثمار في الأسهم، قرر أن يدخل اللعبة بقوة هذه المرة بعد أن صديقه "أندرو" ضاعف أمواله في البورصة خلال أيام.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وشارك بجزء كبير من مدخرات زواجه، وضخ نحو 50 ألف دولار في أسهم جيم ستوب بسعر 340 دولارًا للسهم، آملًا أن يحقق أرباحًا سريعة، مستغلًا الزخم الذي كان يحققه السهم، ولكن المشهد تغير.

 

ففي أقل من أسبوع، تراجع السهم بنسبة 70%، وحاول "ميلر" التماسك، لكن الذعر من أن يخسر كل رأس مال دفعه لبيع ما لديه من أسهم، وتحول المكسب إلى خسارة فادحة، واضطر لتأجيل خطط الزواج.

 

ورغم أن مؤشرات السوق الأمريكية كانت تُسجل حينها ارتفاعات قوية في نفس الفترة، إلا أن "ميلر" فشل في أن يكون من بين الرابحين.

 

وتوضح قصة "ميلر" أن الجميع لا يتشارك في أرباح السوق الصاعد، وأن ارتفاع مؤشرات السوق الرئيسية وضجيج وسائل الاعلام بتحقيق السوق لأرقام قياسية يعني مكاسب لجميع المستثمرين هو مجرد خرافة استثمارية.

 

فوقائع التداول تُظهر أن هناك فئات بعينها هي من تجني ثمار هذا الصعود، وهم أولئك الذين لديهم دراية واسعة بالسوق وخفاياه، ويتحكمون بعواطفهم، ويستثمرون بخطة مدروسة لا بانفعالات لحظية.

 

وهكذا، يمكن أن يتحول السوق الصاعد إلى خدعة بصرية، ويخفي خلف بريق المكاسب خسائر هادئة تلحق بالمستثمر العادي في صمت، فالأرقام الخضراء على الشاشات، قد تقابلها خسائر في محافظهم الاستثمارية.

 

لماذا يتخلّف البعض عن الركب؟

 

في العقد الماضي، حقق مؤشر إس آند بي 500 متوسط عائد سنوي 10%، بينما لم يحقق المستثمر الفردي العادي سوى 4% بحسب تقرير شركة دال بار للخدمات المالية.

 

ويظهر التداول في البورصة أن كثيرًا من الأفراد يقعون في فخ المشاركة، ويظنون أنهم جزء من الصعود، بينما هم في الحقيقة يسيرون عكس الاتجاه أو خلفه بخطوات عديدة، ويأتي هذا لعدة أسباب من أبرزها:

 

1- الدخول المتأخر والانجذاب للضجيج

 

أحد أكثر الأخطاء شيوعًا هو دخول السوق في التوقيت الخاطئ، وتحديدًا بعد أن تكون الأسعار قد ارتفعت بشكل ملحوظ، فكثير من المستثمرين الأفراد لا يدخلون إلا بعد أن يعلو صخب الأخبار ووسائل التواصل.

 

 

وغالبًا ما ينجذبون إلى أسهم أو قطاعات "رائجة" دون تحليل فعلي لقيمتها أو آفاقها، كما أن الحماس يدفعهم أحيانًا لممارسة التداول السريع في محاولة للحاق بالموجة، مما يعرّضهم لخسائر مضاعفة.

 

وفي أوائل عام 2024، شهدت أسهم الذكاء الاصطناعي ارتفاعات سريعة، خاصة بعد إطلاق تقنيات متقدمة من شركات مثل إنفيديا وسوبر مايكرو كمبيوتر ومع تزايد الضجة الإعلامية، دخل آلاف المستثمرين الأفراد السوق في لحظة الذروة.

 

لاحقًا، عندما صحّحت الأسعار مسارها بعد أرباح دون التوقعات، تكبّد الداخلون المتأخرون خسائر رغم استمرار زخم الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل.

 

على سبيل المثال كان سعر سهم إنفيديا عند نحو 99 دولارًا أمريكيًا في تداول يوم 7 أغسطس الماضي ليصعد خلال أسبوعين إلى 130 دولارًا للسهم أو يزيد بنسبة 30%، مما جذب  العديد من المستثمرين العاديين للشراء، قبل أن يعاود السهم التراجع مجددًا.

 

هذا السيناريو يتكرر باستمرار في الأسواق المالية، حيث يدفع الخوف من فوات الفرصة الأفراد إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، ويؤدي الانسياق وراء العناوين الجذابة والضجيج الإعلامي إلى دخول السوق في قممها، بدلًا من التحليل الهادئ والانضباط الاستثماري.

 

2- العواطف لا ينبغي أن تقود القرارات

 

القرارات الاستثمارية التي تُبنى على العاطفة لا تستند إلى منطق مالي، غالبًا ما تؤدي لخسائر موجعة.

 

ففي حين يدفع الخوف من ضياع الفرصة البعض للشراء عند القمم، فإن الذعر عند أول هبوط مفاجئ يجعلهم يسارعون للتخلص من تلك الأسهم.

 

فعند العودة للنموذج السابق، نجد أن سهم إنفيديا بعد صعوده للقمة في 7 أغسطس 2024 دخل في موجة هبوطية دفعته ليبلغ نحو 102 دولارًا في السادس من سبتمبر الماضي.

 

وسارع العديد من أولئك الذين اشتروا عند قمة الصعود بالتخلص من السهم خوفًا من استمرار تراجعه، وهو ما يعني أنهم خسروا نحو 22% من قيمة استثمارهم خلال أسبوعين.

 

 

وبحسب بيانات شركة شارلز شواب للخدمات المالية فإن نحو 30% من المستثمرين الأفراد الأمريكيين باعوا جزءًا من محافظهم الاستثمارية عند أدنى مستويات السوق في مارس 2020.

 

3- ضعف التنويع وسوء توزيع الأصول

 

التركيز في قطاع واحد أو عدد محدود من الأصول يُشبه السير على حبل رفيع دون شبكة أمان.

 

ويعمد بعض المستثمرين إلى وضع غالبية أموالهم في أسهم بعينها أو حتى شركة واحدة فقط، ما يجعل محافظهم عرضة لتقلبات حادة، كما يغفل الكثيرون عن أهمية أدوات التوازن، أو التنويع الجغرافي للأسواق.

 

وأظهرت بيانات من هيئة تنظيم الصناعة المالية في أمريكا أن أكثر من 60% من المحافظ الاستثمارية لدى المستثمرين الأفراد تتركز في 3 قطاعات أو أقل.

 

فعلى سبيل المثال اجتذب صندوق آرك إنوفيشن بقيادة المستثمرة "كاثي وود"، اهتمامًا واسعًا خلال طفرة أسهم التكنولوجيا.

 

لكن في الفترة بين عامي 2022 و2023، هبطت قيمة الصندوق بنسبة تجاوزت 70%، مع تراجع أسهم النمو بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

 

4- التداول السريع وملاحقة الاتجاهات

 

السهولة التي توفرها التداول مثل إيه تورو وروبن هود جذبت أعدادًا كبيرة من الشباب والمستثمرين الجدد.

 

إلا أن هذا الوصول السريع للأسواق شجّع على نمط تداول مفرط وقصير الأجل، دون استراتيجية واضحة، وسط عمليات تداول تعتمد على ملاحقة الأسهم الصاعدة والمضاربة اليومية، مما جعل الكثيرين يتصرفون كمقامرين أكثر منهم مستثمرين.

 

وأظهرت دراسة في عام نشرتها جامعة بيركلي بالتعاون مع صحيفة ذا جورنال أوف فاينينس أن المستخدمين الأكثر نشاطًا في التداول اليومي على التطبيقات المحمولة سجّلوا عوائد أقل بنسبة 30% من المستثمرين الذين يحتفظون باستثماراتهم لفترات أطول.

 

وبحسب الدراسة يرجع ذلك لعدة أسباب من بينها التكاليف المتراكمة، والقرارات العاطفية، وتكرار الأخطاء.

 

 

5- سوء فهم المخاطر والتقلبات

 

من أكبر تحديات المستثمر الجديد هي الفجوة بين تصوّره للمخاطر وقدرته الحقيقية على تحمّلها، فكثيرون يدخلون السوق بتوقعات وردية، دون خطة واضحة أو فهم لطبيعة تقلبات الأصول.

 

وعندما تهبط الأسواق، يُفاجأ البعض بحجم الخسارة، فيخرجون خائفين، ويبتعدون عن الاستثمار تمامًا.

 

فمن استثمر دون إدراك للمخاطر المرتبطة بهذه الأصول، وجد نفسه في دوامة من الخسائر، خصوصًا أولئك الذين بدأوا خلال صعود 2021 دون استراتيجية طويلة الأجل.

 

كيف تتفادى هذه الأخطاء؟

 

تفادي الأخطاء الاستثمارية الشائعة لا يتطلب عبقرية مالية، بل يبدأ من الوعي والانضباط. أول خطوة هي أن يستثمر الشخص وفق خطة مدروسة بدلًا من الانجراف وراء العواطف والانفعالات اللحظية.

 

من المهم أن يُبنى القرار الاستثماري على أهداف واضحة وقدرة فعلية على تحمّل المخاطر، لا على الخوف من تفويت الفرص.

 

مقارنة بين المستثمر العادي والمستثمر المحترف:

محور المقارنة

المستثمر العادي

المستثمر المحترف

توقيت الدخول

غالبًا بعد ارتفاع الأسعار

دخول مبكر بناءً على تحليل

العاطفة

يتأثر بالحماس أو الخوف

منضبط ويعتمد على خطة

التنويع

يستثمر أمواله في عدد محدود من الأسهم

يوزع استثماراته على قطاعات متعددة

أفق الاستثمار

قصير المدى

طويل المدى

 

كما يجب على المستثمر أن يتعلم أساسيات التقييم المالي وفهم الشركات التي يستثمر فيها، بدلًا من الاعتماد على توصيات مواقع التواصل أو الضجيج الإعلامي.

 

 

كذلك، يُعد تنويع المحفظة الاستثمارية عنصرًا أساسيًا للحماية من الخسائر المفاجئة، فالمراهنة على قطاع واحد أو أصل معين يجعل المحفظة هشة في مواجهة تقلبات السوق.

 

ومن الأخطاء التي يجب تجنبها أيضًا التداول المفرط، إذ إن الإفراط في الدخول والخروج من الأسواق غالبًا ما يكون مدفوعًا بالعاطفة ويؤدي لتكاليف متراكمة وقرارات متسرعة.

 

في المقابل، التفكير طويل الأمد والبقاء على المسار الاستثماري يمنح الفرصة للعوائد المركّبة أن تعمل لصالح المستثمر.

 

ومن الضروري كذلك أن يتعلّم المستثمر أن يتابع الأسواق بعين هادئة، ولا يتحرك دائمًا مع الضجيج اليومي والبيانات المتلاحقة.

 

ففي عالم الاستثمار، لا يكفي أن تصعد السوق لكي تصعد معها، والتاريخ مليء بأمثلة لمستثمرين خسروا أموالهم في أوقات ازدهار، لا لشيء سوى لأنهم دخلوا في الوقت الخطأ، أو اتخذوا قرارًا غير مناسب، أو تركوا لعواطفهم تقود دفتهم.

 

فالأسواق لا تُكافئ الحماسة المؤقتة، بل تستجيب للعقلانية والالتزام، والخسائر التي يتكبدها المستثمرون الأفراد ليست دائمًا بسبب تقلبات السوق أو الظروف الاقتصادية، بل كثيرًا ما تكون نتاج قرارات سريعة، وتوقعات غير واقعية، وفهم قاصر لطبيعة المخاطر.

 

وإذا أردت أن تنجو، بل وتربح، في سوق يضج بالتقلبات والصخب، فلا تكن مطاردًا للترندات، ولا متفرجًا مبهورًا بارتفاعات مؤقتة، بل كن مستثمرًا يعرف لماذا دخل، ومتى يخرج، وما الأسس التي تبني عليها قرارك.

 

المصادر: أرقام- سي إن بي سي- ذا نيويورك تايمز- ذا جورنال أوف فاينينس- مورنينج ستار- فانجارد

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا