تم النشر في: 12 مايو 2025, 11:46 صباحاً في مؤشر يثير قلقًا عميقًا في الأوساط الإسرائيلية، تتزايد الدلائل على تجاوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قضايا إقليمية حساسة، وهذا النهج ليس جديدًا، بل يمثل استمرارًا لسلسلة مواقف شعر فيها الحليف الإسرائيلي بالتهميش من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، بدءًا من محادثات الملف النووي الإيراني، مرورًا بمفاوضات الرهائن مع حركة حماس دون تنسيق مسبق، وصولًا إلى اتفاقات إقليمية لا تضع بالضرورة المصالح الإسرائيلية في المقدمة، وهذا التحول في النهج الأمريكي، المدفوع بسياسة "أمريكا أولاً" وتركيز ترامب على عقد الصفقات، يضع الحليف التقليدي في موقف حرج، ويثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب. قلق متصاعد وتزايدت حدة القلق في إسرائيل الأسبوع الماضي، عقب إعلان ترامب عن هدنة مع الحوثيين في اليمن لم تشمل ضمانات لأمن إسرائيل، كما جاء إعلان حماس عن استعدادها لإطلاق سراح رهينة إسرائيلي أمريكي بعد محادثات مباشرة مع مسؤولين أمريكيين، ليعمق الشعور بالتجاوز لدى الإسرائيليين، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. ويصف مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق بواشنطن، الوضع بأنه "مقلق"، بينما يذهب شالوم ليبنر، المساعد السابق لنتنياهو، إلى وصف المزاج السائد في القدس بأنه "هلع تام"، ويتساءل كثيرون الآن عما إذا كانت إسرائيل، التي اعتقدت قبل أشهر قليلة أن ترامب هو الرئيس الأكثر تأييدًا لها تاريخيًا، قد أصبحت على وشك أن تُترك وحيدة في مواجهة تحديات المنطقة. أولويات واشنطن ويشير دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، إلى أن "المخاوف الإسرائيلية لا تؤخذ في الحسبان، أو يتم تجاهلها"، ويرى روس أن الأصوات الداعية لتقليل الانخراط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط تكتسب زخمًا داخل إدارة ترامب، الذي يميل إلى إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والتجارية الأمريكية، ويضيف روس: "ترامب لديه فكرته الخاصة عما يخدم مصلحتنا، وهذا يأتي أولاً... قد يرى أن تقديم 4 مليارات دولار مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل هو دعم كافٍ". من جانبه، حاول السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل مايك هاكابي، التخفيف من حدة هذه المخاوف، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة ليست مطالبة بالحصول على إذن من إسرائيل" للتوصل إلى اتفاقات إقليمية، وندد عبر منصة "إكس" بما وصفها بتقارير إعلامية متهورة وغير مسؤولة حول وجود خلافات بين ترامب ونتنياهو. أصوات متشككة ويمثل هذا القلق تحولًا جذريًا عن الأجواء الاحتفالية التي سادت إسرائيل عقب انتخاب ترامب، والتي اعتبرها نتنياهو "أعظم عودة في التاريخ"، لكن بوادر التوتر بدأت بالظهور مبكرًا، مع تذمر بعض حلفاء نتنياهو من ضغوط المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف للتوصل إلى هدنة مع حماس، وتزايد الخشية من أن تفضيل ترامب لعقد الصفقات قد يستبعد الخيار العسكري ضد إيران، والمفاجأة الأكبر كانت إعلان ترامب في المكتب البيضاوي، وبحضور نتنياهو، عن إجراء محادثات مباشرة مع طهران، مما بدا أنه صدم رئيس الوزراء الإسرائيلي. وتؤكد مصادر مقربة من ترامب أن أصواتًا مؤثرة ضمن تيار "ماجا" (اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) ليست من محبي نتنياهو، وأنها عملت على مقاومة تعيين شخصيات تعتبر شديدة التعاطف معه في مناصب أمنية حساسة، مشيرة إلى إقالة مستشار الأمن القومي السابق مايكل والتز بسبب تنسيقه المفرط مع نتنياهو بشأن إيران. يؤكد المستشار أن "ترامب مصرّ: يريد من الناس أن يلقوا أسلحتهم". حسابات داخلية ويطرح صعود هذا الجناح المتشكك في إسرائيل داخل واشنطن، وخاصة في الحزب الجمهوري، تحديًا جديدًا، فلطالما اعتمدت إسرائيل على دعم الكونغرس في مواجهة خلافاتها مع الإدارات الأمريكية، لكن ابتعاد شخصيات جمهورية مؤثرة ومتحالفة مع ترامب، مثل النائبة مارجوري تايلور جرين، يضعف هذا النفوذ التقليدي، ويعلق المحلل السياسي الإسرائيلي أميت سيغال: "وضعنا كل بيضنا في سلة واحدة والآن نحن خاليي الوفاض". في المقابل، يقلل حلفاء نتنياهو من أهمية أي خلاف، معتبرين أن القلق ناتج عن توقعات غير واقعية بأن ترامب سيلبي جميع رغبات إسرائيل، ويشيد مسؤول إسرائيلي آخر بتقديم ترامب للذخائر الثقيلة، مشيرًا إلى أنه لم يضغط بشأن المساعدات الإنسانية لغزة كما فعلت إدارة جو بايدن. تداعيات سياسية ورغم ذلك، فإن مجرد تصور تراجع مكانة نتنياهو لدى ترامب يضر بصورته كزعيم قادر على إدارة العلاقات مع واشنطن ببراعة، وهي الصورة التي استثمر فيها سياسيًا، كما ظهر في حملته الانتخابية عام 2019، وقد استغل خصومه السياسيون، مثل يائير لابيد ويائير غولان، التطورات الأخيرة لانتقاد إدارته للعلاقات الأمريكية، معتبرين المفاوضات المباشرة مع حماس "فشلًا دبلوماسيًا مخزيًا". ويؤكد السفير السابق أورين بأن ترامب لم يكن دائمًا على وفاق تام مع سياسات نتنياهو، حيث عارض ضم الضفة الغربية وتبنى خطة الدولتين خلال فترة ولايته الأولى، ويبقى السؤال مطروحًا: إلى أي مدى سيؤثر هذا البرود المتزايد على التحالف بين أميركا وإسرائيل؟