عرب وعالم / مرصد الشرق الأوسط و شمال أفريقيا

في تناقضات السلطة الحالية 2 … عن مرسوم العدالة الانتقالية

غسان المفلح

الفصائل تضع نفسها في صف الضحايا، لكني اعتبرها طرفا في النزاع. والحرب في جوانب منها كانت حرباً أهلية بالإضافة الى كونها حرب حكومة ضد شعبها.

لا يهمني إذا وضعنا نصف الشعب السوري في السجن، ولا يهمني إذا فنيت طوائف ومجتمعات في السجن، إني احمل من الغضب ما يكفي الجميع.

العدالة هي العدالة. وهيئة مسؤولة عن “كشف” ممارسات النظام لا تكفي. هذا الكلام للصديق الفيسبوكي والأكاديمي أحمد نظير اتاسي.

هذا الكلام من الباحث بعد صدور القرار أو المرسوم رقم 20 القاضي باحداث هيئة العدالة الوطنية الانتقالية، الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع. هذا الكلام الغاضب للصديق ربما يمس مشاعر أكثرية الشعب السوري بالمعنى الإنساني. لكنه أيضا حقوقيا ينحو نحو المطلق في تحصيل الحقوق. لكن سياسيا وسوريا عامة في هذه اللحظة السورية الانتقالية هل يمكن القيام بذلك؟

قبل الإجابة أيضا لابد من التنويه أن القرار منذ صدوره وهو محط نقد من قبل أكثرية من الناشطين والنخب السورية، والنقد الرئيسي الموجه له:

يجب أن تكون العدالة الانتقالية متاحة لمحاسبة ليس فقط مجرمي نظام الاسد المسؤولين عن الجرائم بل ايضا مجرمي اي جهات وفصائل ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية دون استثناء. لأن فحوى القرار تشير فقط إلى محاكمة مجرمي ورموز العصابة الاسدية فقط.

“تُشيرُ العدالة الانتقاليّة إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصّارخة لحقوق الإنسان. وهي تطرحُ بعضًا من أشدّ الأسئلةِ صعوبةً إن في القانون أم السياسة أم العلوم الاجتماعيّة، وتجهدُ لحسمِ عددٍ لا يُحصَى من الجدالات”.

كما يحظى موضوع العدالة الانتقالية باهتمام الباحثين في مجال القانون الدولي وحقوق الإنسان وقضايا الأمن والسلم لأهميتها كمرحلة مهمة بعد خروج الدول في أي نزاعات وصراعات تنتهك فيها حقوق الإنسان.

فالعدالة الانتقالية مطلب تتطلع إليه المجتمعات التي مرت بعملية تحول عقب فترة طويلة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان فيها، فهي نوع من المحاسبة والمسائلة تعني ثقة المواطن في الدولة، عن طريق مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تشمل الملاحقات القضائية ولجان الحقيقة، وإصلاح المؤسسات وتعويض الضحايا.

بعد هذه المقدمة التي تشكل إطاراً لجدالات سورية- سورية حول هذه القضية. لكن ما يهمني نقاشه هو التالي:

هذا تناقض من التناقضات التي تواجه السلطة في دمشق. تناقض خطير ويحتاج لمصارحة خاصة بعيدا عن انحيازاتنا المسبقة والمطلقة أحيانا؟ أقصد انحيازاتنا في فهم السردية السورية والتعاطي معها أو حتى في موقفنا من السلطة الحالية سواء كان معارضاً أو موالياً.

هذا الملف يتطلب الابتعاد قدر الإمكان عن هذه الانحيازيات ورؤية الوضعية السورية بخصوصيتها الانتقالية. ببساطة عدالة انتقالية لجريمة عمرها أكثر من ستين عاما بقيت مستمرة، أمر معقد جدا من جهة، وخطر على السلم الأهلي في البلد من جهة أخرى.

عدالة انتقالية مطلقة تعني محاكمة نصف الشعب السوري تقريباً. لا بل محاكمة الشعب السوري كله. هل في ذلك مبالغة؟ مطلقاً. يمكننا تقسيم الزمن العدالي إلى قسمين في سورية منذ عام 1970 وحتى عام 2011 ذكرى انطلاق الثورة السورية. والقسم الثاني منذ 2011 وحتى سقوط الاسدية. قبل ذلك فصل ملف جرائم الساحل والانتهاكات منذ هروب الأسد وحتى الآن عن موضوع العدالة الانتقالية.

وهذا ما فعلته السلطة والتي ينتظر الشعب السوري نتائج لجنة التحقيق في جرائم الساحل التي شكلتها السلطة.

من يطالب بمحاكمة أجهزة القوة الأسدية وميليشياتها كلها جيش بمعظمه كان مجرماً في زمن الثورة ومخابرات كلها مجرمة، وفصائل بعثية وشبيحة ولجان دفاع وطني وفاسدين وداعمين ماليين لهم. إضافة للفصائل كلها:

هيئة تحرير الشام وقسد وفصائل ما كان يسمى الجيش الوطني المدعوم من تركيا. إضافة إلى داعش وجيش الإسلام والسبحة تطول، اضافة إلى الميليشيات الإيرانية وحزب الله والجيش الروسي والجيش التركي والامريكي. هؤلاء جميعا ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.

سأعرض ثلاث حالات فقط الآن متواجدة على الساحة:

– هيئة تحرير الشام المنحلة لديها كتلة بشرية داعمة لها لا تقبل في هذا الوقت أن يحاكم قادتها على جرائم ارتكبت قبل السقوط. لأسباب تتعلق أن أكثرية السوريين يروهم محررين.

– قسد وقياداتها العسكرية لديها حامل كردي أساسي ملتف حولها، ولا يقبل محاكمتها أيضا.

– في السويداء مثلا لايزال هنالك مجرمين أسديين مطلوبين للعدالة ولأسباب سياسية يتم رفض تسليمهم. كيف ستتم محاكمتهم؟ ولديهم فصائل مسلحة الدخول بمواجهة معها تعني شيء من الحرب الاهلية.

من جهة أخرى للأسف أقول: لو أردنا عدالة انتقالية “مطلقة” أيضا سيكون للطائفة العلوية نصيب الأسد فيها.

بعد هذه اللوحة كيف ستحل السلطة القائمة هذا التناقض؟ بين مطلب عدالة انتقالية تشمل كل هؤلاء وبين مقدرتها كسلطة ومقدرة الشعب السوري والدولة السورية التي تركها الأسد شبه منهارة على تحمل هذا النوع من العدالة؟

إضافة إلى فحوى القرار نفسه المتعلق بمجرمي المرحلة الأسدية منذ عام 2011 كيف ستترجمه لجنة تحقيق هذه العدالة؟ في ظل تدخل دولي واقليمي محتدم ومراقب للوضعية السورية الهشة؟ هذه مهمة خطيرة على السلم الأهلي يمكن في لحظة غفل ان تنهار البلد! لا ابالغ في ذلك، هذه النقطة تحتاج لتفصيل أكثر.

أتمنى أن تكون هواجسي في غير محلها. وأنا غاضب جداً كالصديق أحمد نظير أتاسي على طريقة، العدالة لو حرثت حراثة. لكن الواقع السوري ومستقبله يجعلنا نعيد التفكير في كثير من المسائل. أتمنى أن تجد السلطة الحالية والنخب السورية حلا لهذا التناقض.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مرصد الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مرصد الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا