د.عبدالرحيم بن أحمد الفرحان في زمنٍ أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تحوّلت هذه المنصات من مجرّد وسائل لتبادل الأخبار والصور إلى ساحات حوار وتفاعل فكري وثقافي واسع. لكن، ومع ازدياد الانخراط فيها، برزت ممارسات سلبية تهدد جوهر التواصل الإنساني، مثل الجدال العقيم، التنمّر الإلكتروني، ونشر الكراهية. وهنا تبرز الحاجة إلى إعادة توجيه استخدام هذه الوسائل بما يعكس المودة والرحمة بين الناس، ويعزز ثقافة الاحترام والتفاهم.لا تعكس الكلمات التي نكتبها على الشاشات أفكارنا فحسب، بل هي انعكاس لما نحمله في دواخلنا من مشاعر ونوايا. لذلك، فإن استخدام وسائل التواصل بمودة ورحمة لا يتطلب أكثر من صدق النية وحسن الظن. وكما نُسلم على من نلقاهم في الشارع بابتسامة، يمكننا أن نبدأ تعليقاتنا بكلمة طيبة، وأن نختم نقاشاتنا بدعاء جميل أو عبارة احترام، مهما اختلفت وجهات النظر.من أبرز أسباب التناحر في الفضاء الإلكتروني هو عدم تقبّل الرأي الآخر، وكأن كل اختلاف هو تهديد شخصي، بينما في الحقيقة، تنوّع الآراء هو دليل على ثراء المجتمعات وتطوره، فلو اتفق الناس جميعاً في كل شيء، لفقدت الحياة لونها. علينا أن نتعلم كيف نستمع لنفهم، لا لنجادل. وأن نناقش لنقترب من الحقيقة، لا لننتصر في معركة وهمية.الكلمة المكتوبة تحمل طاقة قد تكون باعثة على السكينة، أو مثيرة للألم. وكم من تغريدة غيّرت حياة شخص، وكم من تعليق جرّ إنساناً إلى الاكتئاب أو الانعزال. لنختر كلماتنا كما نختار هدايانا، بحبّ وحرص، فالكلمة الطيبة ليست فقط صدقة، بل هي أداة بناء في عالم افتراضي مزدحم بالصخب.كلّ فرد مسؤول عن بصمته الإلكترونية. وكل منشور أو تعليق هو إما لبنة في جسر المحبة أو حجر في جدار الكراهية. لذا، دعونا نستخدم هذه المنصات لنشر الخير، لرفع المعنويات، لتقديم العون، أو حتى لبثّ روح الدعابة الجميلة. لا بأس في الاختلاف، لكن المهم أن نظل بشراً قبل أن نكون حسابات ومتابعين.التكنولوجيا وُجدت لتقربنا لا لتفرقنا، والمودة والرحمة ليستا خيارين ثانويين، بل هما جوهر التواصل الإنساني الحقيقي. فلنجعل من صفحاتنا على مواقع التواصل منابر للنور، لا ميادين للخصام. ولنذكّر أنفسنا دائماً بأنه «ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه». مستشار سياسات الاقتصاد الاستثماري