مارلين سلوم تمر السنين ويبقى «التنين الصغير» حياً في السينما، يقفز إلى الذاكرة رغم رحيله قبل نحو 52 عاماً، لأنه كان أول من جعل بطل ألعاب القتال بطلاً على الشاشة أيضاً، حيث قدم بطل الكونغ فو بروس لي (الصيني الأمريكي) أول فيلم عام 1971، ولاقى نجاحاً مبهراً فألحقه بثلاثة أفلام من نفس النوعية قبل أن يلقى مصرعه عام 1973، بعده فتحت السينما العالمية أبوابها لأفلام الألعاب القتالية، الكاراتيه والكونغ فو والمصارعة.. وصار سيلفستر ستالوني بطلاً خارقاً ولد سينمائياً عام 1976، مع سلسلة أفلام «روكي»، وظهر بعد ذلك «كاراتيه كيد» (1984) والذي تحول أيضاً إلى سلسلة جذبت الجمهور وما زالت توليفتها ناجحة حتى اليوم رغم سيرها على نمط قصصي ودرامي واحد، ومن يشاهد «كاراتيه كيد: الأساطير» المعروض حالياً في الصالات يجد المتعة ويفهم سر هذه الصناعة وقدرتها على كسب حب الجمهور من مختلف الأعمار. فيلم «كاراتيه كيد: الأساطير» يحمل في طياته تحية تقدير إلى كل الأبطال «الأساطير» الذين عرفهم عبر رحلته السينمائية والتلفزيونية، حيث تم إطلاق مسلسل «كوبرا كاي» عام 2018 ومازال صناعه ينتجون منه أجزاء حتى عامنا هذا، وهو مبني على قصة «كاراتيه كيد» والتي ألفها روبرت مارك كايمن، ومنها تفرعت أجزاء وحكايات سارت كلها على نفس النهج، شاب (أو مراهق) يتعلم فنون القتال وتحديداً الكاراتيه على أيدي أبطال، ولا يتلقى منهم الدروس القتالية والتمارين القاسية فقط، بل الأهم أنه يتلقى دروساً فلسفية في معنى الحياة وكيفية الإنصات للروح والقتال من أجل الدفاع عن النفس لا من أجل القتل، وفي كل جزء يتعرض البطل للتنمر من قبل مجموعة شباب «أشرار»، وعليه أن يتعلم كيفية التحلي بالثقة ومواجهتهم بذكاء كي ينتصر عليهم بعد سلسلة هزائم يقع فيها. تحية تقدير من تأليف روب ليبر وإخراج جوناثان إنتويستل، مُنتج مسلسلي «نهاية العالم اللعين» و«أنا لستُ بخير مع هذا» على «نتفليكس»، يأتي فيلم «كاراتيه كيد: الأساطير» وكأنه تحية تقدير للأساطير الأوائل، بدءاً من المعلم مياجي الذي جسده الراحل بات موريتا، ويقدم أبطال هذا الفيلم تحية لروحه باعتباره أول من درّب بطل «طفل الكاراتيه» منذ الجزء الأول، ومشاركة النجمين دانيال لاروسو (رالف ماتشيو) وهو أول بطل لهذه السلسلة منذ 1984، وتحية لنجم السينما جاكي شان الذي بدأ حياته الفنية ممثلاً بديلاً أمام بروس لي في فيلم «فيست أو فيوري» أو «قبضة الغضب» (1972) وفيلم «انتر ذا دراغون» أو «ادخل التنين» (1973)، كذلك يظهر بلمحة سريعة في أواخر الفيلم ويليام زابكا (جوني لاورنس) شريك دانيال لاروسو في سلسلة «كوبرا كاي». ميزة هذا الفيلم أنه يجمع بين الأبطال الأوائل والجيل الجديد، حيث يقدم بطلاً شاباً يبدأ حياته بالشكل التقليدي الذي بتنا نعرفه في غالبية هذه الأفلام، لي فونغ (بن وانغ) ينتقل مع والدته الطبيبة شياولي فونغ (مينغ نا وين) إلى نيويورك، حيث تقرر والدته مغادرة بكين بلا رجعة بعد أن لقي ابنها البكر مصرعه على أيدي شبان بعد فوزه بمباراة في الكونغ فو، خوفاً على لي فونغ، تخرجه من مدرسة الكونغ فو وتقرر إبعاده عن معلمه هان (جاكي شان) خوفاً من أن يلقى نفس مصير أخيه خصوصاً أنه كان برفقته لحظة قتله. وطبيعي أن يسكن لي فونغ في الحي الصيني، ويلتقي ابنة صاحب مطعم بيتزا ميا (سادي ستانلي) ويقع في حبها، وبسببها ومن أجلها يضطر إلى العودة إلى القتال، في إطار عام يشبه تماماً ما عرفه دانيال لاروسو الذي انتقل إلى لوس أنجلوس وتعرض للتنمر أيضاً من طلاب الكاراتيه. تسديد الديون ينتقل هذا الجزء من السلسلة إلى مستوى أعلى فيجمع بين الكونغ فو والكاراتيه ويعرج أيضاً على المصارعة، من خلال والد ميا فيكتور (جوشوا جاكسون) لاعب المصارعة السابق والذي يواجه عصابة تلاحقه بسبب عدم قدرته على تسديد ديونه، فيطلب من لي فونغ مساعدته عن طريق تدريبه على القتال مجدداً والمشاركة في مباراة إذا فاز فيها يحصل على المال الذي يحتاج إليه، يلبي رغبته لي ويتولى أمر تدريبه، لكن فيكتور يواجه خصماً شرساً يكاد يقضي على حياته ما يجعل لي فونغ يعيش صدمة ثانية تذكره بصدمة أخيه. وفي الأزمتين يصاب لي بذهول أشبه بالشلل فيعجز عن التصرف أو القيام بأي شيء من أجل مساعدة أخيه وكذلك صديقه فيكتور، ويدخل في حالة اكتئاب، ما يجعل معلّمه هان يسافر إلى نيويورك لمساعدته رغماً عن الدكتورة شياولي فونغ، ولأن لي يواجه عدواً شرساً وهو كونور (أراميس نايت) الذي يتنمر عليه ويتحداه ويعزم على سرقة حبيبته ميا، يلجأ هان إلى دانيال لاروسو (رالف ماتشيو) ويعملان كفريق على تدريب لي للتفوق في الكاراتيه والكونغ فو معاً، فهما كجذعين يتفرعان من شجرة واحدة، ويشكلان أسرة واحدة، وهو الشعار الذي يضعه لي على رأسه أثناء المباراة، شجرة واحدة.. أسرة واحدة. أساليب القتال الأجزاء الثلاثة الأولى من «كاراتيه كيد» بتوقيع المخرج الذي أطلق فيلم «روكي» الأصلي، جون جي. أفيلدسن، وتماماً مثل أفلام «روكي» و«ستار وورز» و«جيمس بوند».. أتقنت هذه الأفلام خدعة الإبهار وتقديم الأكشن بحرفية عالية للجمهور، رغم اختلاف أساليب القتال فيها، فإن أفلام الألعاب القتالية متشابهة، حيث إنها تدور كلها في نفس الإطار الدرامي تبدأ معظمها بانتقال البطل من مكان مألوف إلى آخر غير مألوف، ثم تُظهره وهو يقع في حب فتاة، ويتعرض للتنمر من قبل شاب يعرف الكاراتيه أو المصارعة أو الكونغ فو، ويتدرب كمقاتل على يد معلم قوي وشرس، بينما البطل يتدرب على يدي حكيم ومتمسك بالقيم وبالروحانيات، ويدخل في بطولة للانتقام من المتنمر واستخدام أموال الجائزة للقيام بشيء مثالي. يُحاول «فتى الكاراتيه: الأساطير» تقديم عدد كبير من الشخصيات الرئيسية، لكن مساحته (ساعة ونصف) غير كافية لمنح كل شخصية حقها ومساحتها الكافية، يتدرب لي ليهزم كونور في بطولة المقاطعات الخمس التي سبق لكونور أن فاز بها عدة مرات، هنا ندخل في مرحلة التدريبات القاسية ويصبح لي كالدمية بين يدي مدربين كبيرين، يتجاذبانه ويكملان بعضهما، فيحصل الشاب على أعلى درجة من التدريب القتالي المرتبط باستخدام الذكاء والحفاظ على المبادئ.. مشاهد ممتعة جداً بعضها مضحك وكلها مليء بالتشويق. براعة في الإخراج والتصوير تلتقي مع الموسيقى التي تدخل الجمهور في إطار الإحساس بأهمية الحدث وبإيقاع هوليوودي مشوّق، كل ذلك يكتمل معاً، بينما يعتبر وجود جاكي شان ورالف ماتشيو شرفياً وعنصر جذب مهماً للجمهور، ويمكن اعتبار الفيلم مرحلة تسلم وتسليم من جيل إلى جيل، وتحية للكبار وتأكيداً لقدرة هذه السلسلة على الاستمرارية والنجاح في السينما وجذب مختلف الأجيال للمشاهدة. [email protected]