كتب : جمال عبد الناصر
الأحد، 08 يونيو 2025 07:00 مفي الثامن من يونيو، تحل ذكرى ميلاد فنان استثنائي، حفر اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ المسرح والسينما المصرية والعربية؛ إنه الفنان الكبير الراحل نجيب الريحاني. لم يكن الريحاني مجرد ممثل كوميدي، بل كان فيلسوفًا للضحكة، وعبقريًا في تجسيد تناقضات الواقع الإنساني بأسلوبه الفريد الذي مزج بين الفكاهة الساخرة والعمق التراجيدي، ليترك إرثًا فنيًا لا يزال مصدر إلهام لأجيال متعاقبة.
وُلد نجيب إلياس ريحانة في 8 يونيو 1889، وبدأ مسيرته الفنية في فترة مبكرة من القرن العشرين، متأثرًا بالمسرح الأوروبي. في البداية، اتجه إلى الكوميديا الرومانسية الخفيفة، لكنه سرعان ما أدرك أن المسرح الحقيقي يجب أن يكون مرآة للمجتمع الذي ينبض فيه، وبالتعاون مع الكاتب بديع خيري، شكّل الريحاني ثنائيًا ذهبيًا وضع أسس الكوميديا المصرية الأصيلة، تلك التي نبعت من صميم الشارع المصري، ولامست هموم البسطاء وتطلعاتهم.
كانت فرقته المسرحية "فرقة نجيب الريحاني" بمثابة جامعة للفنانين، قدمت عشرات المسرحيات التي اتسمت بالنقد الاجتماعي اللاذع المغلف بالفكاهة، ولم يخش الريحاني تناول القضايا الشائكة، فكان يصور الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويكشف زيف المجتمع، ويناقش قضايا الفساد والنفاق والتفاوت الطبقي بذكاء يفوق الكوميديا العادية.
تكمن عبقرية الريحاني في قدرته الفائقة على المزج بين الكوميديا والتراجيديا، فلم يقدم ضحكة مجردة، بل ضحكة تحمل في طياتها مرارة الواقع وأحيانًا الدموع.، وكان يُجيد تجسيد الشخصيات المركبة التي تبدو ساذجة أو مضحكة ظاهريًا، لكنها تخفي خلفها عمقًا إنسانيًا وصراعًا داخليًا.
نجيب الريحاني وجمال عبد الناصر
في المسرح، برع الريحاني في بناء "كوميديا الشخصية" التي تعتمد على سمات البطل ودوافعه الإنسانية المعقدة، و"كوميديا المواقف" التي تنبع من التفاعلات الساخرة بين الشخصيات والأحداث المتضاربة، وكان أداؤه المسرحي يتميز بالديناميكية، وحضور قوي على خشبة المسرح، وقدرة على الارتجال المُنضبط الذي يُثري العرض، وعلى الرغم من إطارها الكوميدي، فإن مسرحياته مثل "حكم قراقوش" و"الدنيا لما تضحك " ، " العشرة الطيبة " كانت تحمل رسائل عميقة حول الظلم الاجتماعي والفساد، وكان الريحاني يجسد الضحية والساخر في آن واحد.
انتقل الريحاني إلى السينما في مرحلة متأخرة نسبيًا من حياته، لكنه نجح في التكيف مع متطلبات الشاشة الكبيرة. حافظ على نبرته الصوتية المميزة وإيماءاته الكوميدية، مع تخفيف المبالغة المسرحية بما يتناسب مع الكاميرا، قدم الريحاني أعمالًا سينمائية تُعد أيقونات في تاريخ السينما المصرية، مثل "سلامة في خير" (1937)، "لعبة الست" (1946)، "أبو حلموس" (1947)، و"غزل البنات" (1949) الذي يُعتبر تحفة سينمائية اختتم بها حياته الفنية. في هذه الأفلام، أظهر قدرة على تجسيد أدوار مختلفة، من البسيط الساذج إلى الرجل الذي يواجه مصيرًا قاسيًا بابتسامة مريرة.
من أبرز الشخصيات التي أبدعها الريحاني وخلدتها الذاكرة الفنية هي شخصية "كشكش بك". هذا العمدة الريفي البسيط الذي يأتي إلى المدينة ليواجه تعقيداتها بذكاء فطري ساذج أحيانًا، كان رمزًا للبساطة المصرية في مواجهة الحداثة الزائفة. أظهر الريحاني في هذه الشخصية قدرة على تجسيد التناقضات بين الريف والمدينة، وبين الفطرة والاصطناع. كما اشتهر بشخصيات أخرى مثل "الأستاذ حمام" في "غزل البنات"، والتي كانت تمثل في معظمها الرجل البسيط المكافح الذي يحاول التكيف مع ظروف الحياة الصعبة، أو الرجل المثقف الذي يعيش صراعًا مع واقعه، ويجسد في هذه الشخصيات بمهارة فائقة مزيجًا من الضعف والقوة، واليأس والأمل.
رحل نجيب الريحاني في 8 يونيو 1949، بعد أن أثرى الفن المصري بإرث لا يزال حيًا ومؤثرًا. لم يكن ممثلاً فقط، بل كان كاتبًا ومخرجًا ومؤسسًا لمدرسة فنية فريدة. أعماله، سواء المسرحية أو السينمائية، لا تزال تُعرض وتُشاهد، وتُلقي بظلالها على الكوميديا المعاصرة، مؤكدة أن عبقريته الفنية تخطت حاجز الزمن. في ذكرى ميلاده، نتذكر فنانًا جعل الضحكة وسيلة للتأمل في الحياة، ومرآة تعكس أصدق مشاعر الإنسان.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.