فى قلب صحراء مصر الغربية، وبين أطلال حصن قديم بواحة دوش فى محافظة الوادى الجديد، عثر علماء الآثار عام 1989 على واحد من أثمن الكنوز فى تاريخ مصر القديم، إنه كنز دوش الذهبى، الذى ظل طى الكتمان حتى عرضه الأول للجمهور فى عام 2005، ليكشف الستار عن مجموعة مذهلة من الحلى والمقتنيات التى تعود إلى العصر اليونانى الروماني.

يحمل الكنز طابعًا فنيًا فريدًا يمزج بين الدقة الصناعية والرؤية الرمزية. فقد وُجدت القطع داخل إناء فخارى مدفون بإحدى غرف الحصن، ويضم الكنز 212 سبيكة ذهبية، جرى ترميمها بعناية على يد مرممين مصريين، وتم تجميعها فى قلادتين؛ إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، فى عمل فنى يعكس مهارة الصائغين القدماء.

ومن أبرز مكونات الكنز لوحتان فضيتان، نُقش على إحداهما الملكة "واجت" بتاج مصر العليا، وعلى الأخرى صورتها بتاج مصر السفلى، فى مشهد يرمز إلى الوحدة بين القطرين.

ويبرز ضمن القطع التاج الذهبى المذهل، المصنوع من صفائح تأخذ شكل أوراق عنب تتوسطها سبيكة تحمل تمثال الإله "سرابيس" داخل معبد صغير. التاج مزين من الجانبين بزخارف دقيقة من أزهار الخشخاش، رمز الخصب والوفرة، والطوق الحامل له صُمم على هيئة ثعبان، وهو رمز القوة والحماية فى الحضارة المصرية.

ويضم الكنز أيضًا قلادة ذهبية رائعة يبلغ وزنها نحو 493 جرامًا، صُنعت من سلك ذهبى على هيئة ثعبان، إلى جانب سوارين مزخرفين بأوراق شجر، أحدهما يحتوى على فص عقيق برتقالى والآخر على فص زجاجى أخضر. وتشير الدراسات إلى أن هذين السوارين ربما صُمّما لامرأة بدينة أو استخدما لتزيين الذراعين العلويين، حسب الأعراف الجمالية آنذاك.

ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى رأس صقر ذهبى بعيون من حجر الأب سيديان البرّاق، إلى جانب تيجان وسلاسل ذهبية مزينة بحليات صدر وخواتم وعقود وخلاخيل وأساور بأشكال معقدة ما زالت تلهم مصممى المجوهرات حتى اليوم.

ويمثل هذا الكنز كنزًا حضاريًا وفنيًا فريدًا، حيث يكشف عن ذوق راقٍ للمرأة الملكية فى تلك الحقبة، ويعكس التداخل بين الرموز المصرية القديمة والعناصر الهيلينستية، كما يسلط الضوء على براعة صُنّاع الحُلى فى مصر القديمة، وهو ما يجعل كنز دوش الذهبى ليس مجرد مجموعة من القطع الذهبية، بل سردًا صامتًا لتاريخ مفعم بالفخامة والفن والهوية.