الشارقة: سارة المزروعيربما كانت خيوط الصوف أو شعر الماعز، التي تنسجها أنامل نسائية بصبرٍ بدويّ، مجرّد تفاصيل صغيرة في نظر البعض، لكنها تحمل في داخلها سردية عمر، وحكاية مجتمع، وموروثا يعبر الزمن دون أن يتلاشى.في الإمارات.. حيث تتقاطع الأصالة مع الإبداع، عاد السدو، تلك الحرفة التي ارتبطت بالخيم والرمال والأغاني القديمة، ليحجز مكانه في تصاميم المنازل، وفي زوايا المعارض، وعلى أطراف العبايات والأزياء.حرفة يدوية بدائية، لكنها نابضة بالحياة، تنسج زخارفها بألوان مميزة دافئة.. الأحمر، الأبيض، الأسود، البرتقالي.. لا يحتاج السدو إلى مصنع، بل إلى قلبٍ يعرف الصبر، وعينٍ تحفظ الإيقاع، ومغزلٍ يدور بإيقاع الأمهات.الآن، وبينما يتحول كل شيء نحو السرعة، يتوقف الزمن قليلا في ورش الحرفيين، هناك حيث تُرسم النقوش ذاتها، لكن على وسادة فخمة في بهو فندق، أو على حقيبة يد أنيقة في أحد المتاجر الراقية، أو حتى على دفتر صغير يرافق كاتبا في مقهى عصري.تقول مريم المنصوري، وهي حرفية إماراتية متخصصة في حرفة السدو منذ أكثر من 15 عاما: إن العلاقة بين المرأة والمغزل في مجتمع كانت أقرب إلى طقس يومي، يُحاك فيه التراث كما تُحاك الخيوط.وتضيف: تعلمت السدو من والدتي وجدتي، وكنا نجلس في المساء حول ضوء الفنر، ننظم الخيوط ونتبادل الحكايات، لم تكن الحرفة فقط مصدر رزق، بل وسيلة للتعبير عن الجمال والانتماء.وترى المنصوري أن إدماج السدو في التصاميم الحديثة فتح آفاقا جديدة للحرفة، وجعلها جزءا من المنتجات المعاصرة التي تصل إلى جيل الشباب، مؤكدة: اليوم أعمل مع مصممات على دمج نقوش السدو في الأزياء وقطع الديكور، وهو ما يشعرني بالفخر، لأن تراثنا ما زال ينبض، لكن بطريقة يفهمها ويحبها الجيل الجديد.هي ليست صدفة، بل رؤية، رؤية من آمنوا بأن الحفاظ على التراث لا يعني تخزينه، بل تقديمه بلغة الحاضر. لهذا، نجد اليوم مبادرات مثل “مجلس إرثي” و”بيت الحرفيين” تمنح هذه الحرفة حياة جديدة، عبر التدريب، والدعم، والتطوير، بحيث يبقى السدو حكاية تُروى بأدوات جديدة.السدو ليس مجرد قماش، هو مرآة هوية، تصر الإمارات على أن تعكسها، مهما تبدّلت الأزياء وتغيرت الموضات، لأنه ببساطة حكاية بدأت في الخيمة، لكنها لم تنتهِ هناك.