سلسلة جديدة تستكشف كيف يمكن للإخوة أن يؤثروا فينا، من المال إلى الصحة النفسية، وصولًا إلى جزيئات أجسامنا. سنشارككم هذه القصص. عندما بدأت أبحث في العلم الكامن وراء الادعاء القائل بأن المثليين غالبًا ما يكونون أصغر أفراد عائلاتهم، اكتشفت أنه صحيح: ثمة ارتباط موثق جيدًا بين وجود إخوة أكبر سنًا -الإخوة الذكور تحديدًا- وزيادة احتمالية أن يكون الشخص مثليًا. لكن بعض أجزاء القصة بدت غريبة ومظلمة. تذكرت رواية (We the Animals) للكاتب جاستن توريس، وهي رواية شبه سيرة ذاتية عن ثلاثة إخوة -أصغرهم كان مثليًا- نشؤوا في ولاية نيويورك. فاتصلت بتوريس لأستطلع رأيه في الفكرة. كانت ردة فعل توريس الأولى أقل حماسة بكثير من ردة فعلي. وهذا مفهوم، فروايته الأخيرة (Blackouts)، التي فازت بجائزة الكتاب الوطنية عام 2023، تتناول التاريخ المظلم لكيفية تعامل العلماء مع دراسة الميول الجنسية. قال: «تهتم روايتي بالدراسات التي سبقت كينزي في علم الجنس، وبالتحديد كتاب اسمه (Sex Variants). هذا العمل كان متأثرًا بشدة بعلم تحسين النسل، فقد كانوا يبحثون عن سبب جسدي للمثلية، أملًا في علاجها أو القضاء عليها». لهذا السبب، عندما اطلع على سؤالي حول العلاقة بين التوجه الجنسي وترتيب الولادة، كان متوجسًا. قال: «بصراحة، أعتقد أن هذا النوع من الدراسات التي تبحث عن جذور جسدية لتفسير الميول الجنسية يفتقر إلى المصداقية. لأنها تقوم على فهم ثنائي ضيق للجنسانية». وافقته الرأي جزئيًا. لكن هذا الارتباط بين المثلية ووجود إخوة أكبر وُثق مرارًا وتكرارًا في أماكن متفرقة، حتى أن أحد الباحثين وصفه بأنه أشبه بالحقيقة في علم الميول الجنسية. جذور في ماض مظلم: بدأت الدراسات الأولى حول هذا الموضوع في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، في إطار محاولات العثور على أسباب للمثلية بهدف علاجها. في ذلك الوقت، كان الأشخاص المثليون يعيشون في عالم يشكل فيه هذا الجانب من هويتهم خطرًا وجوديًا. كما أن أغلب تلك الدراسات لم تخرج بنتائج حاسمة، بحسب جان كاباتيك، الباحث الزميل في جامعة ملبورن. «لم يفض معظمها إلى شيء. لكن هناك استثناءً لافتًا، وهو الاكتشاف بأن الرجال المثليين غالبًا ما يكون لديهم إخوة أكبر أكثر من غيرهم». في التسعينيات، أطلق على هذه الظاهرة اسم تأثير ترتيب الولادة الأخوي. ومنذ ذلك الحين، أُكدت مرارًا حول العالم. قال سكوت سيمينينا، أستاذ علم النفس في جامعة ستيتسون: «وُثق هذا النمط في كندا والولايات المتحدة، لكنه يظهر أيضًا في بلدان مثل ساموا، وجنوب المكسيك، وتركيا، والبرازيل». دراسة ضخمة ونتائج متسقة: في دراسة حديثة شاملة، حُللت بيانات أكثر من 9 ملايين شخص في هولندا، وأكدت النتائج هذا النمط وأضافت إليه مفاجأة. قال كاباتيك، أحد مؤلفي الدراسة: «الشاهد أن العلاقة ظهرت أيضًا لدى النساء. النساء في زيجات مثلية كن أكثر احتمالًا لأن يكن لديهن إخوة أكبر». عادةً ما تقدر احتمالية أن يكون الشخص مثليًا بنسبة 2–3%. يقول سيمينينا: لنقل 2% لتبسيط الحساب. تأثير ترتيب الولادة يعني أن كل أخ أكبر يرفع هذه الاحتمالية بنحو 33%. هذا التأثير تراكمي: فوجود أخ واحد يرفع النسبة إلى 2.6%، وأخوين إلى 3.5%، وخمسة إخوة إلى نحو 8%. مع ذلك، تبقى نسبة 8% ضئيلة نسبيًا. يقول سيمينينا: «الغالبية العظمى ممن لديهم إخوة أكبر ما زالوا ينجذبون للجنس الآخر». أيضًا فإن كثيرًا من المثليين ليس لديهم إخوة أصلًا، أو أنهم الأكبر سنًا بين إخوتهم. فوجود إخوة أكبر ليس بالتأكيد العامل الوحيد المؤثر في جنسانية الفرد. يقول كاباتيك: «مجرد أننا نلاحظ تأثيرات ذات دلالة، فهذا يشير إلى احتمال وجود آلية بيولوجية –وإن كانت جزئية- وراء هذه الارتباطات». فرضيات، لا آليات حاسمة بعد: لطالما كانت الفرضية المناعية الأمومية هي التفسير البيولوجي الأبرز. يوضح سيمينينا: «خلال نمو الجنين الذكر، تنتج كروموسوماته Y بروتينات قد يعتبرها جهاز مناعة الأم أجسامًا غريبة، ما يؤدي إلى تكوين أجسام مضادة تؤثر في الأجنة الذكور اللاحقين». دعمت دراسة نُشرت عام 2017 هذه الفرضية، إذ وجدت أن أمهات المثليين لديهن مستويات أعلى من هذه الأجسام المضادة مقارنةً بأمهات الذكور غير المثليين. لكن مع ظهور نتائج مماثلة لدى النساء في زيجات مثلية ضمن دراسة هولندية، برزت تساؤلات جديدة. قال كاباتيك: «ربما تعمل الفرضية المناعية لدى كلا الجنسين، أو ربما توجد آليات أخرى كليًا. الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث». مهم ومثير للقلق: قلت للكاتب جاستن توريس إن هذا التأثير يبدو بسيطًا وممتعًا من حيث الظاهر، فهو نمط إحصائي ملموس تدعمه فرضية بيولوجية. لكنه أجابني: «ما يقلقني هو الدوافع الكامنة وراء هذه الفرضيات. أتذكر حين كنت طفلًا، شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا سأل فيه المقدم الجمهور: «لو كان هناك اختبار يكشف إن كان الجنين مثليًا، هل ستجهضونه؟». لا أزال أتذكر كيف ارتفعت أيادي الحضور، وأتذكر شعوري بالخوف والاضطراب، كان شعورًا بالكراهية. في ذلك العمر الصغير، كنت أعرف هذا الشيء عن نفسي، وإن لم أكن مستعدًا للاعتراف به». مع أن التسامح تجاه المثليين قد زاد في المجتمع الأمريكي منذ ذلك الحين، يضيف توريس: «أعتقد أن التسامح يتقلب، وأنا قلق من هذا المسار في التفكير». في الوقت ذاته، يعترف بأن فكرة ارتباط المثلية بكون الشخص أصغر إخوته تثير شيئًا من الدعابة. يقول ضاحكًا: «من بين الأشياء التي خطرت لي: ربما إذا كنت محاطًا بالعديد من الرجال، فإنك إما تختارهم، أو لا تختارهم! أليس كذلك؟». في نهاية المطاف، يرى توريس أنه لا حاجة لإيجاد تفسير لكل ما يتعلق بالجنس والهوية. بوصفه إنسانًا، لا أفهم لماذا نصر على تفسير شيء معقد ومبهج وغريب مثل المثلية. لكن، كما يبدو، من غير المرجح أن يقاوم العلماء هذا التعقيد الغامض. وإن كانت البهجة، والتعبير عن الذات، والانتماء المجتمعي، وغيرها من أوجه المثلية والجنسانية، ستظل دومًا تتجاوز مجرد أنماط إحصائية يمكن تفسيرها. اقرأ أيضًا: هل تعدّ المثلية الجنسية خيارًا؟ هل تعدّ المثلية الجنسية خيارًا؟ ترجمة: حسين محمد الحسين تدقيق: مؤمن محمد حلمي المصدر