لا يمكن إنكار أن صناعة ألعاب الفيديو تمرّ بوضع حرج في الوقت الحالي، خصوصًا في ظل موجات التسريح الواسعة التي شهدها القطاع مؤخرًا. ومع حالة التقشف التي تجتاح الصناعة، أصبحت الشركات الناشرة والمطوّرة تميل بشدة إلى اتخاذ قرارات محافظة سواء على المستوى التجاري أو الإبداعي، أي أنها تجد نفسها مدفوعة لملاحقة أكثر التوجهات ربحًا وانتشارًا من أجل ضمان نجاح آمن. لكن أحيانًا، يظهر مطورون يقررون السير بعكس التيار تمامًا، متجاهلين الصيحات المسيطرة ويقدمون أفكارًا غير متوقعة على الإطلاق. وبطبيعة الحال، توجد الكثير من القصص القاتمة لمطورين خاطروا بأنفسهم وفشلوا، لكن الألعاب التي نتحدث عنها هنا قررت المجازفة ونجحت بالفعل. جاءت هذه الألعاب وفق رؤيتها الخاصة، دون أن تخضع لما كانت تفرضه الصناعة حينها، وصدرت لتحظى بإشادة نقدية كبيرة على أقل تقدير، إن لم تحقق نجاحًا تجاريًا قويًا كذلك. ومن الواضح أن كل واحدة من هذه الألعاب ستظل راسخة في الذاكرة لسنوات طويلة، بعد أن تكون الصيحات الحالية قد تلاشت تمامًا. بكلمة واحدة، يمكن وصفها بأنها أعمال تتجاوز حدود الزمن. It Takes Two انتشر شعور واضح خلال السنوات الأخيرة بأن اللعب التعاوني المحلي على نفس الشاشة قد انتهى، وأن أي لعبة تعتمد على وجود لاعبين في نفس المكان مصيرها الفشل شبه المؤكد. لكن Josef Fares لم يتقبل هذه الفكرة، ورغم أن It Takes Two يمكن لعبها مع صديق أو شريك عبر الإنترنت، إلا أنها لم تتضمن أي نظام للبحث العشوائي عن لاعبين غرباء. بل كان التوجه الأساسي أن يلعبها شخصان معًا في نفس المكان، خاصة وأن قصتها تدور حول زوجين يعملان معًا لإنقاذ ابنتهما، ما يجعلها تجربة صُممت بالدرجة الأولى لتُعاش بين شخصين تجمعهما علاقة حقيقية. من الواضح أن كل هذه المعطيات كانت تشير إلى أن It Takes Two ستكون مجرد لعبة تعاونية محدودة الفئة، مثل تجارب Fares السابقة. لكن Fares خالف كل التوقعات. لم تحقق اللعبة نجاحًا نقديًا فقط، بل تجاوزت مبيعاتها 20 مليون نسخة، وفازت أيضًا بلقب لعبة العام في حفل The Game Awards. هل اللعب التعاوني المحلي انتهى؟ ليس تمامًا. Robocop: Rogue City رغم أن الألعاب المبنية على التراخيص كانت في السابق عنصرًا أساسيًا في صناعة الألعاب، إلا أن الألعاب المستوحاة من الأفلام أصبحت نادرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. ويعود ذلك إلى أن دورات تطوير الألعاب أصبحت أطول بكثير مما كانت عليه، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة للحصول على حقوق الملكية الفكرية من الأساس، ما يجعل فكرة إنتاج لعبة مبنية على فيلم مخاطرة أكبر بكثير مما تبدو عليه. لذلك، بدا إصدار RoboCop: Rogue City في عام 2023 أمرًا نادر الحدوث، إذ أنها من نوع الألعاب التي لا يفترض أن تُطرح بحسب المنطق التجاري التقليدي، خصوصًا أن الفيلم الأصلي مر عليه أكثر من 35 عامًا وقت صدور اللعبة. وفوق ذلك، جاءت اللعبة بأسلوب خطي يركّز على القصة، من منظور الشخص الأول، وهو النوع الذي تراجع كثيرًا منذ جيل أجهزة PS3 وXbox 360. لكن ورغم هذه العوامل، لم تقتصر Rogue City على نيل استحسان النقاد واللاعبين، بل حققت نجاحًا تجاريًا مفاجئًا، لتصبح أضخم إطلاق في تاريخ شركة النشر Nacon. من الجميل أن ترى مثل هذه النتائج أحيانًا. Teenage Mutant Ninja Turtles: Shredder’s Revenge استوحت لعبة Teenage Mutant Ninja Turtles: Shredder’s Revenge أسلوبها بوضوح من ألعاب الأرْكيد الكلاسيكية التي تعتمد على القتال الجانبي، ولهذا بدا من الطبيعي أن تُصنف كلعبة موجهة لفئة محددة من عشاق الحنين، دون توقع تأثير يُذكر خارج هذه الدائرة. فمن المعروف أن الألعاب ذات الطابع الرجعي مثل هذه لها سقف تجاري محدود، وإذا كان الهدف هو الوصول إلى جمهور أوسع، لكان من المنطقي أن تأتي اللعبة بشكل مختلف تمامًا، ربما كتجربة عالم مفتوح تعاونية على شكل خدمة مستمرة. لكن المفاجأة أن Shredder’s Revenge لم تكتفِ بإشادة النقاد الذين أثنوا على جمال أسلوبها الفني، وأسلوب لعبها الإدماني، بل حققت نجاحًا تجاريًا ضخمًا، إذ باعت مليون نسخة في أسبوع واحد فقط. وللتوضيح، لعبة Star Wars Outlaws الصادرة في العام السابق لم تصل إلى هذا الرقم في أسبوعها الأول، رغم أنها تستهدف شريحة أوسع بكثير من اللاعبين مقارنة بـShredder’s Revenge من حيث المفهوم والتسويق. في عصر مثل العشرينيات من هذا القرن، يُفترض أن تكون لعبة كهذه مجرد تجربة عابرة تحقق عائدًا بسيطًا ثم تتلاشى بهدوء، لكنها على العكس تمامًا، تحوّلت إلى ضربة ناجحة بكل المقاييس. Minecraft في النهاية نصل إلى Minecraft، التي صدرت عام 2011 في ذروة حقبة PS3 وXbox 360، حين كانت معظم الألعاب الناجحة تتبنى مظهرًا بصريًا قاتمًا يميل إلى الرمادي والبني وكأنها صدأ معدني متآكل. فما الذي قد يجعل لعبة sandbox بألوان زاهية، برسومات مكعبة وغير مصقولة، ولا تحتوي على قصة فعلية أو أهداف لعب محددة، أكثر من مجرد تسلية عابرة موجهة “للأطفال” فقط؟ لكن Minecraft كانت من أوائل الألعاب التي استفادت بشكل كبير من ثقافة صنّاع المحتوى، حيث ساهمت مقاطع Let’s Play على YouTube في نشرها تدريجيًا حتى أصبحت ظاهرة تنتقل من شخص لآخر. نجح أسلوبها الذي لا يفرض قيودًا ويشجع على الإبداع في لمس شيء خاص داخل اللاعبين من مختلف الأعمار، وبعد مرور 14 عامًا أصبحت Minecraft اللعبة الأكثر مبيعًا في تاريخ الصناعة بفارق شاسع. وبالنظر إلى أنها لعبة كان من الممكن جدًا أن تكون مجرد صيحة مؤقتة، وصُممت في الأصل بواسطة مطور واحد فقط، إلا أن هيمنتها المستمرة على الثقافة الشعبية تُعد إنجازًا لم يتوقعه أحد على الإطلاق. اذا شفت اسمي هنا فمعناتها أن الموضوع اشتغل عليه أكثر من واحد من فريق العمل، أو انه تصريح رسمي باسم الموقع. بس لا تخلي هالشي يمنعك من انك تتابعني في تويتر وانستقرام. عادي لا تستحي.