بين التصعيد والتهدئة، تتأرجح سياسة واشنطن في لحظة دقيقة من تاريخ الشرق الأوسط، وبينما يواصل ترامب الصمت الإستراتيجي، تراقب العواصم العالمية أفعاله أكثر من أقواله، فهل تكون الأيام القادمة مقدّمة لحرب شاملة؟ أم نقطة انطلاق لحل دبلوماسي طال انتظاره؟ العالم ينتظر والساعة تدق. في لحظة تاريخية تترنح فيها المنطقة بين شبح الحرب والدبلوماسية، وبينما تأخذ شرارة الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران شكلًا تدريجيًا، تتريث الولايات المتحدة تحت قيادة رئيس اعتاد إثارة الجدل بتغريداته، لكنه هذه المرة اختار الصمت، واكتفى بإشارات مقتضبة، فيما يستعد البنتاجون والبيت الأبيض لكل السيناريوهات المحتملة. صمت ترامب أثارت حالة الصمت غير المعتادة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كثيرًا من التساؤلات، لا سيّما بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، ففي بيان صدر لوسائل الإعلام ليلة الخميس، نقلت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، عن ترامب قوله: "هناك فرصة كبيرة لإجراء مفاوضات مع إيران، وسيُتخذ قرار بشأن الهجوم خلال أسبوعين"، مؤكدة أن الاتصالات بين الطرفين -سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة- لا تزال قائمة. ورغم التصريحات الإعلامية الرسمية، فإن نشاط ترامب على منصته "تروث سوشيال" كان باهتًا بشكل غير معتاد، فبعد سلسلة منشورات حادة الأسبوع الماضي، أبرزها دعوته إيران إلى "الاستسلام التام"، اكتفى الرئيس الأمريكي خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية بتغريدة واحدة فقط، نفى فيها صحة ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" بشأن موقفه من طهران. شكوك حول دور ترامب بحسب تقرير موسع نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن تورط ترامب في الضربة الإسرائيلية على إيران لا يزال موضع جدل، وأشارت الصحيفة إلى أن الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية كانت تتوقع الهجوم الإسرائيلي سواءً بمشاركة أمريكية أو دونها، إلا أن ترامب لم يُبدِ اهتمامًا يُذكر إلا بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران الجمعة، ما دفعه إلى الإيحاء بدوره فيها. وعلى الرغم من إعلانه قبل ساعات من الهجوم التزامه بحل دبلوماسي للملف النووي الإيراني، فإن الغموض لا يزال يكتنف ما إذا كانت إدارة ترامب نسقت بشكل مباشر مع إسرائيل أو فوجئت بالضربة. ذكرت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، نقلًا عن مصادر عسكرية أمريكية، أن البنتاجون كثّف استعداداته لاحتمال قيام إيران برد عسكري على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، ووفقًا للمصادر، يتركز القلق الأمريكي على مضيق هرمز، حيث قد تسعى إيران إلى إغلاقه أو زرع ألغام بحرية، وهو ما قد يؤدي إلى محاصرة السفن الأمريكية في المنطقة. ويكتسي هذا المضيق أهمية إستراتيجية كبرى، إذ تمر عبره ثلث شحنات النفط البحرية العالمية، وخُمس شحنات الغاز الطبيعي المسال، ما يعني أن أي تعطيل فيه قد يتسبب بارتفاع حاد في أسعار الطاقة، ويدفع القوى الدولية إلى الضغط لوقف التصعيد. كما نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية أن الجيش الأمريكي يدرس حاليًا إعادة تمركز أسطوله البحري في الخليج لتقليل حجم الأضرار في حال حدوث هجوم مباغت. تعزيزات عسكرية أمريكية مع تصاعد التوتر، دفعت الولايات المتحدة بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة، فقد تم إرسال عشرات المقاتلات وطائرات التزويد بالوقود، بالإضافة إلى حاملة طائرات جاءت من بحر الصين الجنوبي لتعزيز حاملة أخرى في الخليج. كما أفادت تقارير إعلامية أمريكية بشروع وزارة الدفاع في تنفيذ عمليات إجلاء لعائلات الجنود وبعض المعدات الحساسة من قواعدها في الشرق الأوسط، تحسبًا لأي رد فعل إيراني، وفي السياق ذاته، أعلنت شركتا "دلتا" و"يونايتد إيرلاينز" تعليق رحلاتهما إلى الإمارات وقطر على خلفية تصاعد التوترات. تحذيرات أوروبية أبدت دول أوروبية قلقها المتزايد من انخراط الولايات المتحدة بشكل أعمق في العمليات العسكرية ضد إيران، ونقلت صحيفة "ذا تليجراف" عن مصادر دبلوماسية أن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، حذروا واشنطن من مغبة أي عمل عسكري قد يدفع إيران إلى تفعيل خلايا نائمة داخل أوروبا، مما قد يؤدي إلى موجة هجمات دامية. كما أعربت هذه الدول عن خشيتها على مصير المواطنين الأوروبيين المعتقلين في إيران، والبالغ عددهم 15 شخصًا وفق التقرير، بينهم بريطانيان اعتُقلا مؤخرًا، وتخشى العواصم الأوروبية من أن تؤدي أي ضربة أمريكية إلى استخدام هؤلاء كرهائن أو أوراق ضغط. مفاوضات خلف الستار في خضم هذه الأجواء المتوترة، تلوح بوادر حذرة لعودة الدبلوماسية، فمن المتوقع أن يزور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مدينة جنيف، حيث سيلتقي وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، كما سيشارك لاحقًا في اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في تركيا. وأفاد تقرير لوكالة "رويترز" بأن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أجرى عدة محادثات مع عراقجي منذ اندلاع القتال الأسبوع الماضي، ووفق المتحدثة باسم البيت الأبيض، فإن "المفاوضات جارية بالفعل، وهناك فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق".