الحرب لا تُشن لذاتها. هي ليست غاية، بحدِ ذاتها. قد تكون الحرب تجد جذورها في الجانب العنيف من الخلفية السلبية (المتوحشة) للطبيعة الإنسانية، كما يجادل أصحاب النظرة السلبية (التشاؤمية) للطبيعة البشرية. في النهاية، الحربُ هي: من علامات ودلائل الحياة على هذا الكوكب، الذي تسوده حركة الصراع بين كائناته (الحية) كأهم مظاهر وحقائق الحياة عليها نفسها، مثل الزلازل والأعاصير، والبراكين، والطوفان، والأوبئة. لولا الصراع العنيف بين كائنات الأرض المختلفة، لما عُمِّرَ الكون.. ولا انتعشت مظاهر الحياة على الأرض وتنوعت وتطورت.لكن، إذا ما سلمنا ببديهية ضرورة الصراع العنيف من أجل الحياة وازدهارها وتنوعها وتطورها واستدامتها، فإن الحرب، أيضاً ضرورة لسيادَةِ السلام على الأرض، كغاية إلهية لعمارة الكون. حتى في عالم الحيوان، حركة الصراع العنيف بين أجناسها المختلفة والجنس الواحد منها، تكون قصيرة في مواسم معينة، عند التزاوج مثلاً، تظهر بشائر الهدوء والسلام عند ولادة أجيال جديدة من نفس النوع، مع الوقت تتغلب بينها نقاوة الجنس مع تطور غريزة البقاء، بطفرات جينية متعاقبة، تسودها نوعية متجددة للحياة، في بيئة أكثر استقراراً وأدعى سلاماً.فالأصل، في الحياة على الأرض، هو: سيادة السلام، لا استدامة الصراع والعنف. من هنا تكون غاية الصراع، رغم عنفه، كما يتجلى في تطرفه في ظاهرة الحرب، هو السلام. من هنا نلاحظ: أن فترات الحروب قصيرة، بينما دورات السلام طويلة، تتقدم تعزيزاً للسلام، من حقبة تاريخية وأخرى.لكن الحروب، من أهم حقائق طبيعتها العنيفة، أنها من حقبة تاريخية لأخرى، تُضعف «شهية» التمتع بسيادة السلام، أمام إغراءات وغوايات الحنين للانجذاب عودةً لإحياء حركة الصراع، طمعاً وأملاً في استتباب حقبة جديدة من سيادة سلامٍ أكثر استقراراً وأقرب استدامةً، وأدعى هدوءاً.لكن، أحياناً، بل وكثيراً ما يخفي نداء الحرب في ضمير مَنْ لاحت له فرصة كسبها، من أجل تغيير وضع قائم، إلى وضع أكثر ملاءمة لتحقيق مصالحه، بأقل تكلفة ممكنة وأكبر عائد محتمل. هنا يتطور أخطر مسببات نشوب الحروب، في تطور حالة من «الطمع والأنانية» في عالم أكثر استقراراً وأدعى ملاءمةً لخدمة الطرف، الذي زينت له حساباته (الخاطئة) أنه بالحرب سوف ينتقل من حقبة تاريخية إلى أخرى أفضل دعةً وأضمن سلاماً، فيقدم على الإخلال بميزان القوى السائد، فيلجأ لتجربة حظه من جديد، بشن حربٍ جديدة.هنا نأتي لمرحلة السلام (الزائف)، الذي يصل لحالة الوهم الخادع. الحرب، هي مرحلة متقدمة من حركة الصراع، تستبد خلال تطورها «نشوة» النصر الزائف دون النظر لتكلفةِ خوض غمار الحرب. مهما كانت الثقة في إمكانات الطرف الذي تتراءى له فرصة شن الحرب عن بُعد، دون حساب تكلفتها الباهظة عليه، مقارنةً بعائدها الغامض، بدقة.ثم إن للحرب مشروعية خاصة بها كثيراً ما تغيب عن حسابات أطرافها، بالذات الطرف الذي بدأ بشن الحرب. إستراتيجياً من السهل إشعال فتيل الحرب، لكن من الصعب إطفاء سعيرها عند تفجرها. الحرب ما أن يأخذ سعيرها في الامتداد والتوسع، يصعب، إن لم يستحل أحياناً، السيطرة على استعار جحيمها. عندها الحرب، لم تعد إدارتها بإرادة أطرافها، بل بإرادة الحرب، نفسها. الحربُ، في كثيرٍ من الأحيان عندما يفقد أطرافها القدرة على السيطرة عليها يستمر جحيمها في الاستعار، حتى تفقد وقودها الذاتي، بعد أن تحيل مسرحها إلى دمار مستعر، يخلّف بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية تحتاج إلى تكاليف باهظة لإعادة تأهيلها من جديد، استعادةً لحالة سلام صعب ومكلف يكون أقرب لإحياء حالة صراع متجددة، تلد فيها الحربُ حرباً جديدة.غواية وإغراء الانجرار إلى الحربِ أخطر ما في التفكير في قرار شنها، بدايةً. نادرة هي الحروب الحاسمة، التي ينجم عنها نصرٌ مؤزرٌ مقابل هزيمة ساحقة، تبشر بحقبة سلام مقبلة. أما الحروب، التي أحياناً ما تعكس خطأً جسيماً في حسابات تكلفتها وعائدها من قبل أطرافها، فتنتج عنها في كثير من الأحيان وضعية غير مستقرة تسود فيها حالة من وهم السلام الزائف، الذي ما يلبث التحضير لحربٍ جديدة، أشد عنفاً ودماراً وتكلفةً.ليست كل حربٍ تخدم غاية شنّها النبيلة. السلام، كغاية لشن الحرب، من الصعب تحقيقه، في ظل سيطرة غوايات أطرافها، الذين استسلموا لإغراءات شنّها. أخبار ذات صلة