كتب : جمال عبد الناصرالسبت، 28 يونيو 2025 02:30 م الأمم التي لا تحفظ تراثها تفقد جزءًا من ذاتها، أما مصر، فبحضارتها العريقة وتنوعها الثقافي، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتكثيف الجهود في توثيق وصيانة تراثها الفني، وتقديمه للأجيال القادمة باعتزاز ووعي، وفي هذا الإطار، يأتي توثيق تراث فرقة رضا خطوة للأمام نحو ترسيخ الشخصية الفنية المصرية وتأكيد تفردها. توثيق التراث الموسيقي لفرقة رضا خطوة محورية نحو الحفاظ على أحد أعمدة الهوية الفنية المصرية، وهي خطوة تحسب للفنان تامر عبد المنعم رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، ومشروع ثقافي يحسب أيضا لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو إذا استمر في دعمه وتوسيع حلقاته ، لأن تراث مصر الفني جزءًا من ثروتها الوطنية، فهو لا يقل قيمة عن آثارها المادية، ومن هنا تأتي أهمية توثيق هذا التراث، لا باعتباره ماضٍ يُحكى، بل مستقبل يُبنى عليه، فحفظ الأعمال الموسيقية، وتصميمات الرقصات، وأزياء العروض، وكل ما ارتبط بفرقة رضا، يتيح للأجيال الجديدة التعلم، والاستلهام، والبناء على أساس متين من الأصالة، فهذه الفرقة، التي أسسها محمود رضا وعلي ضا، لم تكن مجرد فرقة استعراضية، بل كانت مشروعًا وطنيًا لتقديم الفولكلور المصري برؤية فنية راقية، تجمع بين الأصالة والإبداع، وتعكس تنوع الثقافات الإقليمية داخل مصر، وتوثيق هذا التراث الموسيقي والاستعراضي لا يعني فقط حفظه في أرشيفات ومكتبات، بل هو صون لذاكرة شعب، وتثبيت لملامح شخصية فنية مميزة تشكلت عبر عقود من التفاعل مع الجمهور المحلي والعالمي، فالفن، وخاصة الفن الشعبي، هو أحد أشكال "التراث اللامادي" التي توصي المنظمات الدولية بحمايتها كجزء لا يتجزأ من هوية الشعوب ، وذاكرتها الجماعية. ولا يقتصر واجب التوثيق والحفظ على تراث فرقة رضا وحدها، بل يمتد ليشمل كنوزًا أخرى من التراث المصري المتنوع، الذي يتعرض كثير منه للاندثار، فالأغاني الشعبية التي كانت تُردد في المناسبات الريفية، والمواويل التي تحمل في طياتها الحكمة والفطرة، والمسرحيات الغنائية التي قدمها رواد مثل سيد درويش وسلامة حجازي، والملاحم الشفوية مثل السيرة الهلالية، جميعها إرث لا يقدَّر بثمن.كما أن الفنون الحرفية مثل صناعة الآلات الموسيقية التقليدية (كالربابة والناي والطبلة) أو الرقصات الإقليمية كالعصايا في صعيد مصر أو التحطيب، والحرف المرتبطة بالفن، تستحق مشاريع توثيق شاملة تشرف عليها مؤسسات ثقافية مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة ودار الوثائق القومية، بالتعاون مع مراكز بحثية وجامعية.