تم النشر في: 31 ديسمبر 2025, 12:53 مساءً تمثّل الحارات والرواشين المكية أحد أبرز عناصر الهوية البصرية والعمرانية لمدينة مكة المكرمة، حيث تجسّد ذاكرة المكان، وتعكس نمط الحياة المكية المتوارث عبر قرون، في مدينة ارتبط عمرانها بخصائصها الدينية والاجتماعية والمناخية. وتأتي جهود توثيق هذه العناصر وإعادة دمجها في مشاريع التطوير الحضري، ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 الرامية إلى حماية التراث وتعزيز التنوع الثقافي. تصميم وظيفي وجمالي تتميّز الحارات المكية بأزقتها الضيقة والمتدرجة التي توفر الظلال وتلطّف الأجواء وتعزّز التواصل المجتمعي، فيما تعد الرواشين الخشبية عنصرًا معماريًا فريدًا جمع بين الوظيفة والجمال، إذ ساعدت في تنظيم الإضاءة والتهوية والحفاظ على الخصوصية، مع منحه واجهات المنازل طابعًا مميزًا. أحياء تاريخية وهوية عمرانية من أبرز الأحياء التي لا تزال تحتفظ بملامحها: الشبيكة، المسفلة، أجياد، جرول، حارة الباب، والمعابدة. وتشير تقديرات معماريين إلى أن نحو 60% من المباني التاريخية بمكة كانت تحتوي على رواشين، صُنعت غالبًا من أخشاب مستوردة ومعالجة تقليديًا، وأسهمت في تحسين التهوية وخفض الحرارة. معارض وورش توثيقية شهدت مكة تنظيم معارض فوتوغرافية وورش عمل معمارية وثقافية لتوثيق الحارات والرواشين، بالتعاون مع جهات أكاديمية وثقافية، وأسهمت في تدريب كوادر شبابية على أساليب الترميم والرسم والتصوير والتوثيق المعماري. نحو هوية معمارية مستدامة تُعد هذه الجهود جزءًا من مشروع الهوية المعمارية لمكة، الذي يهدف إلى استلهام عناصر العمارة المكية التقليدية، خاصة الرواشين، في التصاميم الحديثة، بما يحفظ الطابع الروحي والبصري للمدينة، ويعزّز المشهد الحضري وجودة الحياة. كما تؤدي هذه العناصر التراثية دورًا في تنويع المنتج السياحي وجذب الزوار المهتمين بالسياحة الثقافية، بما يدعم الاقتصاد الإبداعي، ويُسهم في تحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية. ويرى المختصون أن توثيق الحارات والرواشين لا يحفظ المباني فقط، بل يُخلّد ذاكرة الحياة المكية، ويُعد خطوة استراتيجية نحو مدينة تحترم تاريخها وتواكب تطلعاتها، عبر نموذج عمراني متوازن يجمع بين الأصالة والتجديد.