عقارات / متر مربع

حمدى رزق : “وصية ليلي هانم مرموش”

  • 1/2
  • 2/2

.
“وصية ليلي هانم مرموش”
بقلم : حمدى رزق

يوم أن نعيت ورثيت ، من الرثاء ، أختى الكبيرة “بثينة البيلي” الله يرحمها، حدثتني من كانت فى منزلة “أمي”، هاتفتني حبيبة قلبي “ليلي مرموش”، ومن بين دموعها وصتني وصية، ” لما أموت تكتب عني زى ما كتبت عن بثينة.. فاهم يا بني “.’

كنت عندها فى منزلة أبنها الذى لم ترزق به، أدخرتني للزمن ، ربما لهذه اللحظة التى أكتب فى محبتها.
بكينا معا على الهاتف ، حتى نسينا نغلق الهاتف لدقائق ، كان البكاء حارا، ساعتها أحسست بدنو الأجل منها، أحسست بوداع قد حان، ولكل أجل كتاب، “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”. (الأعراف / 34 ).

وصية الست ليلي ظلت دينا فى رقبتي، كل حين أطمن عليها بتليفون، يأتي صوتها واهنا، عايشة، والحمد لله، كبرت يا حمدي البركة فيكم، ونغلق الهاتف على أمل اللقاء..

أخر مكالمة كانت ” ليلة ” ، والليلة عيد ، عادتي أتصل بقائمة من المحبين والخلان، قائمة قصيرة منقوشة على سطح ذاكرتي، موصولة بقلبي بكابل يسرى فيه حب حقيقي .

تكررت محاولاتي، مسني حزن شفيف، خشيت فقد عظيم، ولكن في مرة أخيرة ، ردت أمي بصوت واهن، وكأنها تبلغني بقرب الرحيل، لم تشكو، بل كانت تشكر ربها على الصحة والستر.

هذه المرة لم تذكرني بوصيتها، لكني لم أنس ما حييت طلب أخير لأمي أن أرثيها رثاء المحبين.. وها أنا أكتب حزينا فى وداعك .. الف رحمة ونور ، وروح وريحان .. وجنة نعيم .

**
لو أخلص المحبون فى حب ” دار الهلال ” ، لبزتهم جميعا الأستاذة ” ليلي مروش ” حبا فى دارها وبيتها، ومركز حياتها، ولولا أن البيروقراطية (وقوانين المعاش القاسية) ما غادرت دارها، أخشى ليلي هانم ماتت روحيا يوم غادرت ، الخروج من دار العيلة، مثل خروج الروح من الجسد، لم تذق ( ولم نذق ) طعم حلاوة الأيام منذ غادرت الدار الكبيرة.

كان مكتبها فى نهاية الرواق المفضى إلى كبار الدار، فى نهاية الرواق ثقل الدار، ” سكينة هانم السادات” بصخبها وروحها المرحة، والكبير أستاذنا ” عبد النور خليل ” وقفشاته ومناوشاته وملاطفاته لشباب الدار، والدكتورة الكبيرة ” سلوى أبو سعدة ” التى كانت ولاتزال تتمتع بتقدير خاص، تحس من طلتها أنها دكتورة جامعة، أستاذة فى قسم العلوم السياسية، و شيخنا صاحب الصوت الجهوري أبو أبتسامة واسعة ” فاروق أباظه ” الذى ينتمي للأباظية أصلا وخلقا جميلا .

وفى مقابل مكتب ” ليلي هانم مرموش” ، مكتب ” رجاء هانم حسين ” ، ورثت أختى الكبيرة “نجوان عبد اللطيف” متعها الله بالصحة وأنعم عليها بالسعادة ، مكتب رجاء هانم، وألقها ورقتها ومهنيتها، نجوان خير خلف..

صخبنا كشباب كان ينتهي قبل نهاية الرواق الذى ينتهي ب “بارتيشن” عتيق من خشب معشق، يحجب دورة المياه، ومضاء بأشعة شمس تخترق زجاج ملون، صاحب فكرة تلوينه فقيد شباب الدار حبيبي “أحمد النجمي” وكان ذواقة وصاحب خيال.

خلف البارتيشن “كانت تروى حكايات عن العفريت الذى يظهر للوردية الليلة، وكان عمى “حسن عمار” حامل مفاتيح الدار، والأسرار، يؤكد وجود العفريت، ويضحك منا نحن الخائفين المحصورين نود دخول الحمام ليلا..

كانت أيام، ودارت الأيام بنا، وكرت السنون ككر حبات المسبحة بين أصابع رجل صالح، ووهن العظم منهم وأشتعل الرأس شيبا، منهم (من كبار الدار) من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وكانت أمي ” ليلى مرموش ” من المنتظرين حتى لحقت بموكب الراحلين. البقاء لله أنتم السابقون ونحن اللاحقون بحول الله

**

منقول من صفحة أمى ليلي، على : “إنا لله وإنا إليه راجعون ، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تنعي عائلة مرموش وفاة الأستاذة الصحفية ” ليلي محمد رشاد مرموش ” رئيس تحرير ” كتاب الهلال الطبي ” بدار الهلال سابقا.

ونسأل الله عز وجل أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته وعظيم خيره وكرمه، وأن يلهم أهلها وأحبائها جميل الصبر والسلوان.

فضلا و ليس أمرا ادعو لها بالمغفرة و الرحمة.

اللهم أبدلها دارا خيرا من دارها، وأهلا خيرا من أهلها، وأدخلها الجنة، وأعذها من عذاب القبر، ومن عذاب النار، اللهم عاملها بما أنت أهلها، ولا تعاملها بما هي أهلها، اللهم اجزها عن الإحسان إحسانا، وعن الإساءة عفوا وغفرانا، اللهم إن كانت محسنة فزد من حسناتها، وإن كانت مسيئة فتجاوز عن سيئاتها، اللهم أدخلها الجنة من غير مناقشة حساب، ولا سابقة عذاب”.
**
هزني من الأعماق نعي أختي الكبيرة ” سميرة هانم شفيق ” لأختها ليلي، تقول:”صعب رحيل الأحباء ، بكل الحزن أنعى صديقتي وزميلتى الغالية الأستاذة ليلى مرموش ، رحلت بالجسد لكن تسكن القلب حتى ألقاها لن أقول وداعا يا ليلى لكن إلى اللقاء” .
**
عملت بالوصية يا أمي، وجاء اليوم الذى أنعيك ، كما طلبت، وأرجو ألا أكون مقصرا، فى ذكر طيب ذكراك، و سرد محاسنك، وطيبتك، وقلبك الأبيض وإيمانك بموهبتي .. كنت حضنا حنينا لشكاوى ونجواي .
ولها ( للست ليلي ) ، دين في عنقي لا أنساه ، يوم دخلت على طيب الذكر، كبيرنا الذى علمنا الحرف، من علمتي حرفا، والأستاذ مكرم محمد أحمد علمنا الحروف جميعا، دخلت ليلي هانم مندفعة غاضبة تدمدم ، وكنت يومئذ أجلس قبالة مكتب مكرم بيه، وهو يملي علي سطور من مقاله، وكان مستغرقا فى الإملاء، وكأنه يملي وصاياه .

أيقظته من إبداعه ، استاذ مكرم ممكن تفهمني مش عاوز تعين حمدى ليه، كانت في عصبية شديدة، خشيت من عصبية فى المقابل من مكرم بيه، ردة فعل غير مأمونة العواقب ، كان عصبيا بالسليقة ولا يقبل أملاءات، وإذ فجأة يبتسم فى وجهها، ولم ينبس بحرف، وسحب ورقة صغيرة من مفكرة أمامه، وكتب يعين الأستاذ حمدى.. وسألني اسم أبوك إيه، قلت له فى لهفة ” عثمان ” ، والباقي ، رددت باقي إيه ، قالها ضاحكا باقي أسم الفاميليا ، قلت له ملهوفا ، ” عاشور رزق ” ، طيب يا سيد رزق تم تعيينك، مبسوطة يا ليلي ؟

كادت تزغرد، ومبروك مبروك، بحبك يا حمدى، بحبك يا مكرم، رد بدهاء، بذمتك، طيب أحلفي، وضحك ضحكة واسعة، لم تقنع بالتعيين ، باغتته لازم مرتب كبير يا مكرم، رد بأريحية غير معهودة ، شكله خاله الطيب كان حاضر معانا ، يا سلام عيني لك، وزعق فيها إذ فجأة ، سبيني بقى اخلص المقال.. خرجت من فورها حتى لا تستنفر خاله العصبي.

**
كريمة ككل جيلها، من جيل تربي على طبلية الكبار، تلميذة العظيم “أحمد بهاء الدين” علمها كيف تكون قمة العطاء الإنساني، الأستاذ بهاء كان مدرسة فى العطاء المهني والإنساني، وزاملت كبار فى العطاء، ونهر العطاء فى دار الهلال لا ينقطع فى أهله .

تحكم الدار العريقة ، قوانين العائلات وتقاليدها مرعبة بين كبار الدار، وعلى النهج يسير شباب الدار، ليسوا محظوظين كجيل الآباء، لم يكن لهم حظ معية الأجداد، ومن حظي أن راعيتى كانت أمي ” ليلي مرموش ” .

، ألف رحمة تصحبك، ونور فى مرقدك، وابتسامة على محياك وأنت تلقين ربك بطيب الأعمال، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُا وَارْحَمْهُا، وَعَافِهِا، وَاعْفُ عَنْهُا، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُا، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُا، وَاغْسِلْهُا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُا دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِا، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِا، وَزَوْجًَا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِا، وَأَدْخِلْهُا الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وعذاب النَّارِ.مة من المحبين والخلان، قائمة قصيرة منقوشة على سطح ذاكرتي، موصولة بقلبي بكابل يسرى فيه حب حقيقي .

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا