د. جاسم المناعي*
على إثر الهبوط الحاد الذي تعرضت له الأسواق المالية في دول المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، فقد تعددت التحليلات والتفسيرات لمثل هذا الحدث غير المعتاد. وقد ذهب بعض المحللين عن حسن نية أو بدافع المجاملة إلى التعبير عن الاستغراب لما حدث، معللين استغرابهم بأن أساسيات اقتصادات المنطقة قوية وتمثل حصانة صلبة أمام تقلبات الأسواق المالية وبالتالي في اعتقادهم أنه لا مبرر لمثل هذا الهبوط الحاد. وفي الواقع إذا كان هذا التفسير يقصد به طمأنة المتعاملين في أسواق المنطقة فهذا التوجه يمكن اعتباره اجتهاداً مشكوراً.
لكن الحقيقة وبعكس ما يعتقد البعض فإنه من الطبيعي أن تتأثر أسواق المنطقة المالية بما يحدث في الاقتصاد العالمي. إن درجة حساسية اقتصادات دول المنطقة لما يجري في الأسواق العالمية تعتبر عالية جداً.
إن التجارة الخارجية لدول المنطقة تمثل نسبة مرتفعة من الناتج الإجمالي المحلي لهذه المنطقة أي أن درجة انكشاف الاقتصادات الخليجية على الاقتصاد العالمي تعتبر عالية مقارنة بأوضاع كثير من دول العالم، حيث تمثل التجارة الخارجية لدول الخليج نسبة تصل في بعض هذه الدول إلى ما يزيد على 166% من الناتج الإجمالي المحلي. وإذا أمعنا النظر في أهم منتجات دول المنطقة فسنجد أنها تتكون أساساً من النفط والألمنيوم والبتروكماويات ومشتقات هذه المنتجات. وكما نعلم فإن مثل هذه المنتجات هي شديدة الحساسية لتقلبات العرض والطلب في الأسواق العالمية.
فعلى سبيل المثال نجد أن أسعار النفط تمر حالياً وبسبب الأوضاع في الاقتصاد العالمي بحالة من الهبوط الذي يدعو إلى القلق، والحالة هذه قد تكون أسوأ إذا ما قرر الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية إضافية على تجارة النفط. والأمر ينسحب كذالك على تجارة الألمنيوم التي ستخضع لرسوم جمركية إضافية. أما بالنسبة للبتروكيماويات ومشتقاتها فإن النظرة التشاؤمية السائدة حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور على صعيد الاقتصاد العالمي من شأنها بالطبع أن تعمل على خفض الطلب على هذه المنتجات وبالتالي تكون عاملاً إضافياً في تأثر اقتصادات دول المنطقة بما يحدث في الاقتصاد العالمي.
هذا على صعيد الاقتصاد العالمي لكن ماذا عن وضع الشركات الخليجية المدرجة في بورصات المنطقة. إن أهم الشركات المدرجة في بورصات المنطقة تعمل إما في قطاع النفط أو الألمنيوم أو البتروكيماويات ومشتقاته وبالتالي فإن أداءها المالي مرتبط ويعتمد على أوضاع هذه المنتجات في الأسواق العالمية. لذلك من الطبيعي بمكان أن تتأثر الأسواق المالية الخليجية مباشرة بما يحدث في الأسواق المالية العالمية سواء نتيجة لارتفاع نسبة تجارة المنطقة إلى ناتجها الإجمالي المحلي أو إلى كون أهم الشركات المدرجة في بورصات دول المنطقة يعتمد أداؤها المالي على وضع منتجات المنطقة الرئيسية في الأسواق العالمية. في الواقع أن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، حيث إنه حتى شركات العقار وشركات الخدمات الأخرى المدرجة في بورصات المنطقة من شأن أدائها المالي أن يتأثر في حال تقلص الإنفاق العام نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية أو بسبب ضعف الطلب على الخدمات بما يشمل الخدمات المصرفية، الأمر الذي ينعكس بدون شك على الأداء المالي لكثير من شركات ومؤسسات القطاع المالي والمصرفي وينعكس بالتالي على مؤشرات الأسواق المالية لدول المنطقة.
لذالك فإن القول إن اقتصادات المنطقة قوية وإن الهبوط الحاد الذي تعرضت له بورصات المنطقة غير مبرر هو حسبما يبدو أمر يحتاج إلى التروي وإعادة النظر.
وينبغي في هذا السياق التنويه بأن الارتدادات التي حصلت في بورصات المنطقة ليست بسبب تغير أو تحسن ظروف الأسواق العالمية حيث إن هذه الأسواق ما زالات تعاني والنزيف مازال مستمراً سواء في أسواق الدول الغربية أو الأسواق الآسيوية التي تتكبد حسبما يبدو أكبر الخسائر.
إن الارتدادات التي نشهدها في أسواق دول المنطقة ترجع في الأساس وفي الغالب الى تدخل مؤسسات ومحافظ استثمارية عامة وخاصة وذلك لضخ سيولة إضافية في السوق من ناحية لخلق طلب على أسهم الشركات القيادية بالدرجة الأولى، لكن أيضاً ومن ناحية أخرى لاغتنام بعض الفرص الاستثمارية التي قد تكون توافرت من خلال هذه الموجة من التراجعات خاصة بالنسبة للمحافظ الاستثمارية الخاصة.
إن أوضاع الأسواق المالية العالمية قد تستمر على هذا الحال من التقلبات لفترة من الزمن هذا إذا لم تتدهور نحو الأسوأ. الأمل يبقى بالطبع في إمكانية تراجع الرئيس الأمريكي على ضوء تصاعد الانتقادات المنددة بسياساته والتي ما زالت تثير الهلع والاضطراب في الأسواق العالمية كما أن الأمل ما زال معقوداً في أن تتوصل الأطراف المعنية بما فيها أمريكا ومن خلال التفاوض الى حلول مرضية للجميع وبما يخدم مصالح العالم أجمع.
* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.