وفي مقدمة هذه السلوكيات: الوقوف الجائر خلف مركبات الآخرين، وإغلاق الطريق دون اعتبار أو مسؤولية. سلوك يبدو عفوياً في ظاهره، لكنه في جوهره اعتداءٌ صريحٌ على الوقت، والالتزامات، والكرامة الشخصية.
فأنت لا تعطل مركبة فقط، بل تعطل إنساناً عن إيصال أطفاله، عن الوصول لموعد علاجي، عن أداء التزامه المهني أو الاجتماعي، عن يومه كله.
والمشكلة لا تتوقف عند الضرر المادي، بل تمتد إلى ما هو أسوأ: غياب التجاوب من المخالف، وتكرار المشهد دون ردع حاسم.
الجهات الأمنية، وعلى رأسها المرور مشكورة، تبذل جهداً في هذا الملف، لكن النظام الحالي لا يمنحها صلاحيات فورية في بعض الحالات، خصوصاً إذا لم يتجاوب المخالف مع الاتصال الهاتفي وفي ظل كثرة الحالات المشابهة في أماكن متفرقة، فينتهي البلاغ دون نتيجة، ويبقى المواطن محاصراً بين مركبته وضرره.
والأدهى من ذلك، أن من أغلق الطريق يعود متأخراً، يترجل ببرود، ويبتسم ابتسامة باهتة، ثم يطلق اعتذاراً لا يُسمن ولا يُغني من ألم، بل وقد يُبدي امتعاضاً إذا لم يتقبل الطرف الآخر اعتذاره، فيُمارس عليه ضغطاً اجتماعياً كي «يسامح ويتجاوز»، بينما هو المتضرر الحقيقي.
وهنا تصبح العدالة مقلوبة، والمخطئ يُمنح رخصة أخلاقية ليُكرر فعله دون حساب.
هذه الظاهرة ليست مجرد مخالفة مرورية، بل خلل في القيم السلوكية، يتطلب أدوات حازمة وعادلة لضبطه.
ولذلك نقترح:
1. ربط البلاغ المصور عبر تطبيق «كلنا أمن» بمخالفة فورية مباشرة، دون انتظار تجاوب السائق، ما دامت الصورة والموقع واضحين وتثبت المخالفة.
2. تصعيد قيمة المخالفة تدريجياً، لتبدأ من 500 ريال، وتصل إلى 3000 ريال في حال تكرارها، بما يحقق الردع الحقيقي، لا الرمزي.
3. ربط المخالفات من هذا النوع بسجل القيادة، بحيث تؤثر على التأمين، ورخص القيادة المهنية، وامتيازات الاستخدام، لتكون لها تبعات ملموسة.
4. إطلاق حملة وطنية توعوية بعنوان: «افتح الطريق.. تضمن احترامك»، تهدف لترسيخ ثقافة الاحترام المروري وبيان أن التعطيل ليس «غلطاً بسيطاً»، بل مساس مباشر بحق الآخرين.
5. إدراج المخالفات المتكررة في التطبيقات الحكومية مثل «توكلنا»، كتنبيه للجهات الرسمية بأن هذا السلوك متكرر ويجب متابعته.
6. إتاحة الحق القانوني للمتضرر في رفع دعوى ضرر متى تحققت أركان المسؤولية: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية.
ففي حالات كثيرة، أدى الوقوف الخاطئ إلى أضرار مادية أو معنوية يمكن إثباتها، مما يبرر قانوناً المطالبة بالتعويض.
وهذا المسار القانوني لا يستهدف الانتقام، بل تقويم السلوك، وترسيخ مبدأ أن الحرية في الطريق تقف عند حدود حق الآخرين في التنقل الآمن.
إن ما نطرحه ليس تجاوزاً للنظام، بل امتداد طبيعي لرؤية الدولة في رفع جودة الحياة، وتعزيز التحول الرقمي، وتمكين أدوات الإنفاذ الذكية.
وحين يصبح تطبيق «كلنا أمن» وسيلة فورية لمعالجة سلوكيات مدمرة لحياة الناس اليومية، نكون قد تقدمنا خطوة كبيرة نحو مجتمع واعٍ، منضبط، يعامل الطريق كأرض مشتركة تُدار بالقانون لا بالأهواء.
نحن أمام قيادة رشيدة تُعيد تشكيل أنماط الحياة في المملكة، وتبني الإنسان على أسس من الاحترام والمسؤولية والانضباط، ومِن الطبيعي أن تنعكس هذه الروح على النظام المروري.
فالطريق ليس مجرد وسيلة تنقّل، بل ساحة يومية لقياس مدى نضجنا وتحضّرنا.
في المحصلة، من يغلق عليك الطريق لا يمنع مركبتك فقط من الحركة، بل يمنع يومك من أن يسير كما يجب، ولا يستحق أن يُعاد توجيهه بابتسامة باهتة واعتذار هشّ، بل بمخالفة فورية، ومسؤولية قانونية، وردع يُعيد للمجتمع توازنه.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.