مارلين سلوم
الأجيال التي ارتبطت في ذهنها مشاهدة الأفلام بالصالات السينمائية والشاشات الكبيرة و«البوبكورن»، ولم يكن متاحاً لها مشاهدة تلك الأعمال على الشاشة الصغيرة إلا بعد مضي وقت طويل على ظهورها، تعرف قيمة ومعنى ومدى تأثير هذا التنوع الكبير في العروض ووسائلها، سواء على عملية الإنتاج السينمائي واتساع رقعة المشاهدة، أم على ثراء معرفتنا بمختلف الثقافات، وذلك بفضل انتشار المنصات التي لم تعد تنتظر مرور أشهر أو سنوات على أي عمل سينمائي قبل أن تتمكن من عرضه على المشتركين فيها، بل أصبحت جهة منتجة للأفلام والمسلسلات، تقدّم أعمالاً متنوعة منها الجيد والممتاز ومنها السيّئ أيضاً، لكن الأهم أنها تقدّم لنا ما لا نشاهده في الصالات السينمائية، وربما لا نتحمس لدفع ثمن تذكرة من أجل مشاهدته، ونتحدث هنا تحديداً عن أفلام أجنبية غير أمريكية ولا فرنسية أو إيطالية، لا نعرف نجومها ولا مخرجيها وكتّابها، اتساع دائرة مشاهدتنا يمنحنا فرصة لمعرفة ماذا يقدّم الآخرون، تماماً مثل مشاهدتنا للفيلم الجنوب إفريقي «لقاء عائلة كومالوس» أو «ميت ذا كومالوس» الذي عرضته حديثاً منصة «نتفليكس».
في «لقاء عائلة كومالوس» لا نرسم مسبقاً في خيالنا شكلاً متوقعاً لمسار الفيلم، نجلس وكأننا نكتشف وننتظر أن نشعر بنكهة الفيلم المختلفة، خصوصاً أنه ثمرة جهود مجموعة من الجنس الناعم، من الإخراج إلى التأليف فالبطولة، كل ما نعرفه أن مخرجته جايان مودلي هي كاتبة ومخرجة جنوب إفريقية سبق أن قدّمت فيلماً كوميدياً عام 2017 «مواكبة عائلة كانداسامي»، حقق أعلى إيرادات في جنوب إفريقيا، ولها تجربة ناجحة مع «نتفليكس»، حيث عرضت فيلمها «رحلة مع كانداسامي»، كعمل أصلي على المنصة وفي عرض أول عام 2021، لتنال مرة جديدة نصيب الأسد من إعجاب الجمهور.
جايان تقدم هذه المرة فيلماً ليس من تأليفها، بل كتبته المؤلفتان جيليان بريسلين وويندي جوميد، لكل منهما تجارب تلفزيونية درامية وكوميدية، أما فيلمهما «لقاء عائلة كومالوس» فهو تجربة لم يكتمل نضجها، حيث تشعر طوال فترة المشاهدة أنك تمدّ يدك لالتقاط خيط التشويق، لكنه يفلت من بين يديك سريعاً، فهل الضعف نابع من عدم الإتقان في الكتابة أم في الإخراج، أم في كليهما؟ يشبه «لقاء عائلة كومالوس» الحلقات التلفزيونية الكوميدية الخفيفة، ميزته أنه سلس، غير مزعج ولا مضجر، لكنه في نفس الوقت يحتاج إلى إعادة ضبط في الكتابة لينتقل من مرحلة التجربة إلى الإتقان والاحتراف. لقطات ومواقف تتوالى، البطء في الإيقاع ينزع منه فتيل الضحك والاسترسال في الاستمتاع بالكوميديا العائلية التي تبدو طريفة ومقنعة لكنها متوقعة بأحداثها وباردة في محطات تتطلب الكثير من التشويق والحماس وإشعال فتيل الغيرة بين الصديقتين وبين الحبيبين وبين الأسرتين.
حفل الاستقبال
القصة اجتماعية بسيطة، تسكن عائلة كومالو في مجمع سكني راقٍ، تستعدّ لاستقبال الجيران الجدد، وتتولى أمور تنظيم حفل الاستقبال رئيسة الهيئة الإدارية للحي السيدة غريسيوث (ينادونها غريس) كومالو (خانيي مباو)، على الجانب الآخر نرى عائلة سيثول توضب حقائبها وتنتقل للعيش في المنزل الجديد، منذ أول مشهد يبدو واضحاً أن الأم في العائلتين هي التي تقود أسرتها والكل ينفذ بلا اعتراض صريح حتى الزوج، غريس هي قائدة آل كومالو، وبونجي (أياندا بوروثو) قائدة آل سيثول، تخرج غريس وأسرتها للترحيب بالجيران الجدد، وتفتح البوابة الخارجية التي يقف عند جهتيها المتقابلتين أفراد الأسرتين، غريس وزوجها ووالدته وابنها الوحيد الشاب الوسيم سيزوي (جيسي سونتيل)، بينما تقف بونجي مع زوجها وابنتيهما على أتم الاستعداد للتعرف على الجيران بكل أمل وفرح، لكن سرعان ما تتبدل الوجوه، إذ يبدو واضحاً أن المفاجأة غير سارّة، وأن غريس وبونجي على معرفة سابقة وبينهما خلافات تجعلهما متنافرتين باستمرار، بل تمنعان كل أفراد أسرتيهما من التعامل مع «الخصم»، فكل امرأة تنعت الأخرى بأسوأ الصفات، وأكثرها تكراراً على لسان غريس أن بونجي خائنة.
الصداقة جمعت بين البطلتين في طفولتهما وحتى مراحل الصبا، لكنّ وعداً خلفته بونجي جعل غريس تنتظر طويلاً قبل أن تقرّر معاداة صديقة العمر والابتعاد عنها كلياً، لكن ما لم يكن في حساب الصديقتين اللدودتين أن يكون ابن كومالو سيزوي على علاقة حب مع إسفي سيثول (خوسي نغيما) الابنة الكبرى لبونجي، كذلك لم تتوقع المرأتان أن تنشأ علاقة صداقة بحكم الجيرة بين زوجيهما اللذين ينتهزان أي فرصة للخروج إلى المقهى أو السوق لتمضية بعض الوقت معاً والتسلية والتسامر دون علم الزوجتين.
إخفاء الألغاز
طبيعي أن ننتظر لحظة انفجار غضب غريس وبونجي عند اكتشافهما لما يدور في الخفاء، لكن عدم براعة الكاتبتين في صياغة تفاصيل الكتابة الدرامية الكوميدية وعدم امتلاكهما لسر صنعة التشويق والذكاء في ربط الأحداث وإخفاء الألغاز والحنكة في كشفها واحدة تلو الأخرى، جعلنا نفقد تلك المتعة وبهتت الأحداث وصار تسلسلها منقوصاً، وكأن الفيلم عبارة عن مجموعة مشاهد تم ربطها ووصلها ببعضها بلا تسلسل يضمن سرد الحكاية، وكأنها إحدى القصص المحكية والتي نتلهف لمعرفة مجرياتها وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة.. انتظرنا مثلاً أن نرى أي ملمح للأسدين الضالين في الغابة حيث يخيم سيزوي وإسفي وتتجسس عليهما غريس وبونجي، المقلب الكوميدي جاء لطيفاً ومضحكاً إلى حد ما، لكنه بدا ناقصاً وكان من المهم استكماله بوقوع الوالدتين في الفخ أيضاً مع ظهور الأسدين ولو من بعيد، كذلك مشاهد لقاء زوجي السيدتين في السر كان من المهم بناء الكثير من المواقف الكوميدية عليه ومنح الرجلين مساحة أكبر، بينما ظهرا وكأنهما من الكومبارس المكمل للقصة ليس أكثر، ولم تمنحهما الكاتبتان الفرصة لإثبات وجودهما سوى مع اقتراب نهاية الفيلم.. هنا لا بد من الإشادة بالرقصة الاستعراضية الختامية والتي تبرز بعض الطقوس التقليدية أو التراثية في جنوب إفريقيا، من أجمل ما تضمّنه هذا الفيلم من حيث الموسيقى والغناء والأزياء والتعبير بالغناء والرقص في الفرح، مشهد يعبر عن زفاف على الطريقة التقليدية الجميلة.
عداوة السنين أذابها الارتباط الذي جمع بين الابن والابنة، هدف الكاتبتين لم يكن تسليط الضوء على قصة حب رومانسية بقدر ما هو إبراز مدى أهمية الصداقة الحقيقية وتأثيرها، ومدى أهمية الحفاظ على المودة التي تجعل المرء مسالماً وأكثر عقلانية واتزاناً. لا غبار على أداء الممثلين، من كبيرهم حتى أصغرهم، علماً أن عدد المشاركين في الفيلم يقتصر على عدد أفراد الأسرتين، لذلك ليس من الصعب على المخرجة إدارتهم، بل إن ذلك يتيح لها التفرّغ لتقديم مشاهد عالية في الإثارة، علماً أن التصوير في جنوب إفريقيا يتيح لأي مخرج فرصة تقديم مناظر طبيعية وصورة تمتع العين وتريح الجمهور، وهو ما أجادت استغلاله جايان مودلي، لكنها وقعت في فخ ضعف السيناريو فاستسلمت لضعف الإيقاع في الإخراج.
[email protected]
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.