أزمة جديدة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، ولكن هذه المرة من جنوب آسيا، مع تصاعد الصراع بين الهند وباكستان، مما قد ينذر بما هو أكثر من مجرد مواجهة عسكرية.
فالعالم الذي لم يتعافَ بعد من تبعات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يجد نفسه أمام اختبار جديد مع اشتعال التوترات بين قوتين نوويتين بحجم الهند وباكستان، والذي قد لا تقف تداعياته عند حدود الجغرافيا أو السياسة، بل تمتد كأمواج زلزالية إلى عمق نظام الاقتصاد العالمي.
فالصراع بين دولتين تمثلان أكثر من 20% من سكان العالم، وتملكان موقعًا استراتيجيًا حيويًا في قلب آسيا، له تأثيرات تتجاوز الحسابات العسكرية إلى تهديد سلاسل الإمداد، وضرب ثقة المستثمرين، وتعطيل مسارات النمو في الاقتصادات الناشئة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وتُظهر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لمحة مسبقة عمّا يمكن أن يشهده الاقتصاد العالمي من تبعات إذا أصبحت هذه المنطقة هي بؤرة التوتر المقبلة.
ففي ظل عالم مترابط ماليًا وتجارياً، فإن أي اضطراب كبير سواء كان على شكل نزاع مسلح محدود أو مواجهة مفتوحة من شأنه أن يترك بصماته سريعًا على أسعار الطاقة، وتكاليف الشحن، وتدفقات رؤوس الأموال.
مخاوف من اتساع نطاق الصراع
شنّت الهند ضربات عسكرية على باكستان يوم الأربعاء أدت إلى مقتل العشرات، فيما قالت باكستان أنها أسقطت خمس طائرات تابعة لسلاح الجو الهندي، في تصعيد قد يدفع لاندلاع حرب شاملة بين الدولتين مع تعهد إسلام آباد بالرد على الضربات الهندية.
وأعلنت نيودلهي أن الضربات جاءت ردًا على مذبحة أودت بحياة 26 شخصًا - معظمهم من السياح الهنود - في أبريل الماضي عندما اقتحم مسلحون منطقة جبلية في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين.
وألقت الهند باللوم على باكستان في الهجوم، وهو ما تنفيه إسلام آباد.
وفي حين أبدت الأسهم في البورصة الهندية تماسكًا بعد الهجوم الجوي الذي شنته نيودلهي، تراجعت بورصة كراتشي في باكستان بنحو ملحوظ، إذ انخفض مؤشر كيه إس إيه-100 بنسبة 3.1%، أي ما يعادل 3559 نقطة.
أما على صعيد العملات، تراجعت الروبية الهندية بأكثر من 1% لتصل إلى 84.77 مقابل الدولار الأمريكي، مسجلة أكبر انخفاض يومي لها خلال شهر، متأثرة بتصاعد التوترات الجيوسياسية.
كما تعرضت الروبية الباكستانية لضغوط هبوطية مماثلة، مما يعكس قلق المستثمرين من احتمالية تصعيد إضافي.
وفي حال اتساع الأعمال الحربية بين الدولتين فإن القلق من التبعات الاقتصادية سيتسع ليشمل الأسواق العالمية التي أصبحت تتفاعل بحذر مع كل تصريح سياسي أو تحرك عسكري بين الطرفين.
وقد يُحدث تحولات في قرارات شركات كبرى، وتُجبر صناديق استثمارية دولية على إعادة تقييم مخاطرها في جنوب آسيا، مما قد يدفع تدفقات رؤوس الأموال بعيدًا عن المنطقة نحو أسواق أكثر استقرارًا.
بين أوكرانيا وكشمير.. هل يعيد التاريخ نفسه؟
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 إلى تضخم عالمي، واضطرابات في سلاسل الإمداد، وأزمات غذاء وطاقة خاصة في دول الجنوب العالمي.
وكان من أبرز تبعات الحرب تجاوز أسعار النفط 120 دولارًا للبرميل في منتصف 2022، كما قفزت الأسعار العالمية للغذاء بنسبة 14% بحسب منظمة الأغذية والزراعة.
كما خسرت أسواق الأسهم العالمية أكثر من تريليون دولار خلال أول شهر من الحرب بحسب بيانات بلومبرج.
وفي حال اندلاع نزاع بين الهند وباكستان، يُتوقع ظهور تبعات مشابهة مع اختلاف في طبيعة الموارد والأسواق المتأثرة، نظرًا لخصوصية موقع البلدين الاقتصادي والجغرافي.
فالهند تُعد خامس أكبر اقتصاد في العالم، وهي مركز عالمي للخدمات التقنية والدوائية، وتلعب دورًا محوريًا في سلاسل التوريد الدولية.
كما أنها ثالث أكبر مستورد للنفط عالميًا، مما يعني أن أي اضطراب إقليمي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة على الصعيد العالمي.
أما باكستان، وإن كانت أقل وزنًا اقتصاديًا، فهي نقطة عبور استراتيجية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتضم بنية تحتية بحرية وتجارية مهمة.
ورغم تراجع معدلات التضخم في أواخر 2024، إلا أن الاقتصاد العالمي لا يزال هشًا، وقد يؤدي أي ارتفاع في أسعار النفط جراء النزاع إلى رفع أسعار الفائدة مجددًا في العديد من أنحاء العالم، مما يزيد خطر الركود.
كما قد تواجه سلاسل الإمداد العالمية مزيدًا من التحديات في حال اتساع نطاق الحرب، مما قد يزيد من أعباء النقل العالمية في وقت لا تزال سلاسل الإمداد تعاني من الضغوط جراء تأثير جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية والصراع الدائر في الشرق الأوسط.
ورغم محاولات الشركات تنويع مصادرها بعد الجائحة وحرب أوكرانيا، تظل الهند لاعبًا يصعب استبداله في قطاعات مثل التكنولوجيا والأدوية والمنسوجات.
وتسهم موانئ الهند بنحو 7.4% من حجم التجارة البحرية العالمية، مما يعكس دورها الكبير في الاقتصاد البحري العالمي.
ففي عام 2023 بلغ حجم التجارة البحرية العالمية نحو 11 مليار طن متري، استحوذت موانئ الهند وحدها على نحو 819 مليون طن متري.
أما موانئ باكستان فتمثل نحو 0.6% من إجمالي التجارة البحرية العالمية من حيث حجم البضائع.
وعلى مستوى الغذاء، فإن أي اضطراب في الإنتاج الزراعي أو سلاسل الإمداد بين البلدين، وخاصة في الحبوب والأرز، قد يُفاقم أزمة الأمن الغذائي في جنوب آسيا، ويمتد تأثيره إلى أسواق الدول النامية التي تعتمد على واردات الحبوب من هذه المنطقة.
وتعد الهند أكبر مصدر للأرز على مستوى العالم حيث تستأثر بنحو 40% من صادرات الأرز العالمية، وبلغت صادراتها نحو 22 مليون طن متري خلال العام الماضي، فيما بلغت صادرات باكستان نحو 6 ملايين طن.
تبعات تصاعد الحرب على اقتصاد البلدين
يواجه اقتصاد باكستان، المثقل بديون خارجية تتجاوز 131 مليار دولار واحتياطيات أجنبية محدودة، خطرًا متزايدًا نتيجة التصعيد العسكري.
وتعتمد البلاد بشكل كبير على برنامج إنقاذ بقيمة 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الدعم الخارجي من حلفاء مثل الصين.
وقد تؤدي التوترات المستمرة إلى تقويض التعافي الاقتصادي وتعطيل التدفقات المالية الخارجية وزيادة مخاطر التخلف عن السداد.
وأشارت وكالة "موديز" إلى أن استمرار التصعيد مع الهند قد يعيق نمو الاقتصاد الباكستاني ويضعف جهود خفض العجز المالي.
كما حذّرت من أن التوترات المطوّلة قد تؤثر سلبًا على القدرة على الوصول إلى التمويل الخارجي وتزيد الضغوط على الاحتياطيات، التي تُعد حاليًا غير كافية لتغطية التزامات الدين الخارجي القادمة.
في حين يشكل تعليق الهند لاتفاقية مياه نهر السند تهديدًا خطيرًا للزراعة في باكستان، حيث يشكّل هذا القطاع مصدر رزق لنحو 40% من القوى العاملة. أي نقص في الإمدادات المائية قد يزيد الفقر ويؤجج الاضطرابات الاجتماعية.
مقارنة بين الهند وباكستان في بعض المؤشرات: | ||
المؤشر | الهند | باكستان |
الناتج المحلي الإجمالي(2024) | 4.3 تريليون دولار | 373 مليار دولار |
عدد السكان | 1.4 مليار نسمة | 247 مليون نسمة |
احتياطي النقد الأجنبي | 640 مليار دولار | 8.2 مليار دولار |
الدين الخارجي | 620 مليار دولار | 131 مليار دولار |
صادرات الأرز(2024) | 12.5 مليار دولار | 4 مليارات دولار |
*دولار أمريكي
أما الهند، فقد اكتسبت سمعة ناشئة كملاذ استثماري آمن، إلا أن اندلاع مزيد من المواجهات مع باكستان قد يثير قلق المستثمرين الدوليين ويجعلهم يتراجعون عن الاستثمار هناك مما قد يعرض اقتصادها لصدمات قوية.
ورغم ما تتمتع به الهند من احتياطيات نقدية كبيرة، إلا أن أي نزاع ممتد قد يؤدي إلى إعادة توجيه جزء كبير من هذه الموارد نحو الإنفاق العسكري، مما قد يؤثر على الخطط التنموية الطموحة للدولة.
أسلحة تُختبر.. وأسواق تُرتجف
وفي ظل هذا القلق الاقتصادي المتزايد، لا تغيب ملامح الربح عن مشهد الحرب، إذ يمثّل اندلاع صراع عسكري بين الهند وباكستان فرصة لبعض الفاعلين في الساحة العالمية، لا سيما شركات الصناعات الدفاعية التي غالبًا ما تشهد زيادة قوية في الطلب خلال تلك النزاعات.
فالتصعيد المسلح يُعيد تنشيط سوق الأسلحة، ويفتح الباب أمام اختبار فعالية المنظومات القتالية المتطورة على أرض الواقع، مما يحفّز دولًا أخرى على الشراء أو إعادة تقييم صفقاتها العسكرية.
وسجلت أسهم شركات الدفاع الصينية ارتفاعاً، الأربعاء، إذ عزز تصاعد التوترات الحدودية بين البلدين، توقعات ارتفاع صادرات بكين من الأسلحة.
وتستورد باكستان غالبية معداتها العسكرية، بما في ذلك مقاتلات جيه-10 سي، من الصين. وقالت في وقت سابق إنها أسقطت خمس طائرات هندية، من بينها طائرة رافال فرنسية.
وأدى ذلك إلى تكهنات بأن الأسلحة الصينية ربما استُخدمت في النزاع، بالنظر إلى اعتماد باكستان الكبير مؤخراً على تجهيزاتها الدفاعية من الصين.
وأثار إسقاط الدفاعات الجوية الباكستانية لخمسة طائرات من طراز "رافال"، التابعة للقوات الجوية الهندية، صدمة في الأوساط العسكرية والإعلامية، خصوصًا وأن هذه الطائرات تُعد من بين الأحدث في ترسانة الهند، ومزودة بتقنيات فرنسية متقدمة.
وقد طرح الحادث تساؤلات جدّية حول فاعلية منظومة "رافال" في سيناريوهات القتال الحقيقي، مما قد يؤثر على سمعة الطائرة عالميًا، ويمنح الأفضلية لمنظومات دفاعية أخرى أثبتت كفاءتها ميدانيًا.
من ناحية أخرى، قد تستغل شركات الأسلحة الكبرى هذه التطورات لتقديم نماذج مُحدثة أو بيع منظومات دفاع جوي وهجومي أكثر تطورًا لحلفاء الطرفين، مما يُعزز من أرباحها ويُعيد تشكيل خريطة التسلّح الإقليمي.
وتمتلك كل من الهند وباكستان نحو 170–200 رأس نووي، ويحذر المحللون من أن أي صراع شامل قد يؤدي إلى تصعيد نووي سريع، مع عواقب إنسانية وبيئية كارثية، تصل إلى مجاعات عالمية محتملة بسبب السحب الإشعاعية وتأثيرها على الإنتاج الزراعي.
المصادر: أرقام- رويترز- صجيفة ذا تيمز أوف إنديا- بلومبرج- فايننشال تايمز- منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)- صحيفة ذا إيكونوميك تايمز- سي إن إن- موقع جلوبال إيكونوميك إنسايدز
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.