ولد البلادي 1955، فكان للفطرة نصيبها من صوته، وللبيئة أثرها في وجدانه. لم يكن عابراً في الساحة الغنائية، بل كان مشروعاً فنياً حقيقياً؛ أعاد تعريف العلاقة بين الشعر الشعبي والغناء، خصوصاً من خلال توظيفه لفن «الكسرة»، الذي كان حتى ذلك الوقت حكراً على المجالس واللقاءات الضيقة.
الكسرة، ذلك النبض اللفظي المكثف، اختزلت أحاسيس البسطاء في أبيات قصيرة، تتسرب إلى القلب دون استئذان. جاء عابد البلادي ليحملها من عزلتها، ويمنحها صوتاً ولحناً وأفقاً واسعاً. لم يغن الكسرة فحسب، بل أعاد تشكيلها؛ فابتكر لها إيقاعاً جديداً، ومزجها بألحان شعبية عذبة، جعلتها تصل إلى الجمهور بألوانه كافة، من جدة إلى الرياض، ومن القرى الصغيرة إلى المدن الكبرى.
أغانٍ مثل «أنا ونومي»، و«يا ناس راح المحبة»، لم تكن مجرد محاولات لتقديم لون جديد، بل كانت ثورة صامتة أعادت الاعتبار للكسرة كفن قائم بذاته، قادر أن يحيا داخل الأغنية الشعبية الحديثة دون أن يفقد خصوصيته أو طعمه الحجازي الأصيل.
في مسيرته، تجاوز عابد البلادي 250 أغنية، كثير منها حوى بصمته الكسراوية الفريدة. لم يكن فقط صوت مرحلة، بل صانع مسار، ترك أثره في الأجيال التي جاءت بعده. ولأن التراث الشعبي في نظره لم يكن مادة استهلاك أو ترفاً عابراً، حمله على كتفيه، وغناه للناس، وسجله للتاريخ.
اليوم، يقف عابد البلادي، كأحد رموز الأغنية الشعبية السعودية، كمن حمل هم «الكسرة» فجعلها تغني، وأعطاها من صوته وفنه عمراً جديداً.
في زمن تذوب فيه الملامح الفنية الأصيلة، تبقى تجربة البلادي، درساً في الوفاء للتراث، والقدرة على تجديده دون تشويهه؛ صوتاً لا يزال يردد بيننا الكسرة كما يجب أن تكون: قصيرة، عميقة، وصادقة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.