ويبدو أن الجيل الشاب (هذه الأيام) يمارس دور انقلاب القيم كما حدث في مسرحية مدرسة المشاغبين، تلك المسرحية التي تم اعتبارها البصمة الفاقعة في انحراف القيم لدى الشباب التالي لعرض المسرحية وانتشارها.. وكما اُتهمت مسرحية مدرسة المشاغبين بأنها أحدثت انفلاتاً أخلاقيّاً، يحدث الآن ذلك الانفلات من قبل الشباب بصورة أبشع، فكل واحد منهم تحول إلى وزارة إعلام مستقلة يعطي نفسه الحق في نشر أمور منكرة سواء لفظاً أو تحريضاً أو تصدير الإساءات، والشائعات، ويحرص الباث على إتقان شائعته بصور مفبركة، وفي شائعة الموت يتم إظهار جنازة فلان وعلان.. وخلال ساعة يكون باث الشائعة قد شيع فلاناً إلى قبره غير مكترث بما تحدثه شائعته من ضرر لدى الآخرين.. ويبدو أن أصحاب الأخبار الفاجعة من (القبرجيين) نشطوا في ردم من أطال الله في عمره، ولأن أبطال مدرسة المشاغبين ماتوا جميعاً باستثناء عادل أمام ( اللهم مد في عمره فقد أسعدنا طويلاً) فأصبح مادة جيدة للقبرجيين..
وبأثر رجعي أتحدث عن مسرحية مدرسة المشاغبين التي أحدثت انقلاباً عنيفاً في التربية، وساهمت أو نقلت الجوانب التربوية إلى حالة من حالات الانفلات، وبالرغم أنها عرضت في السبعينيات الميلادية (أول عرض 1973) إلا أن أثرها امتد كأخدود زلزالي شاطراً العلاقة بين الآباء وأبنائهم، وبين الطلاب وأساتذتهم.
وأثناء عرض المسرحية التي استمرت لسنوات طويلة، ارتفعت الدعاوى القضائية لإيقافها مرات عدة إلا أن الإقبال الشديد عليها أبقاها مهوى الأفئدة، واعتبر البعض أن هذه المسرحية قضت على هيبة المعلم، حتى أن بعض علماء النفس بجامعة القاهرة أجروا دراسة عن الآثار السلبية للمسرحية، خلصت إلى أن نحو 70% من المشاغبين في المرحلة الثانوية كانوا يقلدون شخصيات المسرحية في محاولة لنيل إعجاب واحترام زملائهم، كما أن وزير التعليم آنذاك، وَصَفَ المسرحية بأنّها أحد أسباب انهيار التعليم في مصر، وتدنّي مستواه؛ لأنها أفقدت المعلم هيبته.
وفِي زمن الإيمان بفكرة المؤامرة، اتهم مؤلف المسرحية (علي سالم) بأنه خنجر في خاصرة الضمير العربي، ساعياً على تهشيم التربية (المصرية تحديداً)، وجذب الشباب العربي على كسر عمود السلطة في التعليم، ومن تلك المسرحية العمل الحثيث على القضاء في تركيبة شباب المستقبل، ولأن الأستاذ علي سالم (رحمه الله) كان من المتهمين بالتطبيع الثقافي مع إسرائيل استقرت التهمة أو رسخت في بال المثقفين في المقام الأول، رسخ أن المؤلف قصد من تأليف المسرحية ضرب بنية التربية لدى الشباب.
وبعيداً عمّا حدث من جدال حول المسرحية استجلب من ذكرياتي اجتماعاً حدث بيني وبين الممثل يونس شلبي (أحد أهم شخصيات المسرحية رحمه الله) ففي سنواته الأخيرة تكررت زياراته للعلاج في مدينة جدة، وفي ذات يوم اجتمعنا في مركز ترفيهي على أنغام وأصوات عدة مطربين أحيوا تلك الليلة.
كنت مركزاً على تعبير يونس شلبي إزاء ما يقوم به الشباب داخل صالة المركز من تصرفات خارجة عن اللياقة الأدبية، كانت تعبيرات وجهه غائمة لا تبين أي أثر (لا استحساناً، ولا رفضاً، ولا انشراحاً) تعبيرات جامدة من كل أثر سوى آثار الموت القادم.
أخبار ذات صلة
- هل أنت راضٍ عما أحدثته مدرسة المشاغبين من تفلت أخلاقي لدى الشباب؟
وأمسكت لساني، لسببين: أولهما الضجيج الذى ملأ الصالة، وثانيهما غياب لب يونس شلبي بفعل المرض المنهك.
فتريثت على أمل محاورته عندما نغادر الحفل، وعندما وصلنا إلى بيت الصديق علي فقندش (حيث أقام يونس)، ظللت أتحين الوقت الجيد لأن أسأله، وعندما فعلت ذلك، كان يونس شلبي -كما كان في المسرحية- (ما يجمع)، وإن كان في الأولى يمثل إلا أنه أمامي (لا يجمع) بسبب المرض الشديد الذي أصابه.
ربما لا توجد علاقة بين المقدمة وهذه القصة إلا أن شائعة موت عادل إمام بين لحظة وأخرى تؤكد أن الزمن لم يعد هو ذلك الزمن، وأن الجيل الشاب الآن يريد الإسراع بدفن من كان حاضراً قبلهم، فلماذا؟
يمكن تبرير هذا بكثير من المعطيات إلا أن مساحة المقالة لا تسمح بأكثر مما كُتب.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.