عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

التسوّل الإلكتروني.. قصص ملفّقة تشوّه العمل الخيري

تحقيق: جيهان شعيب

قديماً كان التسوّل يعتمد على مشهد تقليدي يتمثل في شخص يجلس على جانب الطريق، يرفع يده طالباً المساعدة من المارّة؛ ومع التطور التكنولوجي، أدرك المحتالون أن استغلال الوسائل الحديثة يمكن أن يؤدي لتحقيق مكاسب مالية أكبر وأسرع؛ لذا أصبح التسوّل عبر الإنترنت من أبرز جرائم الاحتيال الرقمي المعاصر، حيث يتخذ صوراً مختلفة، سواء برسائل عبر البريد الإلكتروني، أو أخرى نصية تتلقّاها الهواتف المتحركة، أو حتى بإنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل، معظمها يتضمن صوراً محزنة لمرضى في حاجة إلى العلاج، أو أيتام يبحثون عن مأوى، أو مساكين وأسر تعاني الفقر المدقع.

بات التسوّل الاحتيالي باستخدام التكنولوجيا، أحد التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، وتتجلى خطورته في تأثيره السلبي في الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع، وعلى سير العمل الخيري أيضاً، من هنا نبحث هذه الظاهرة في التحقيق الآتي.

ويستغل بعض المحتالين المنصات الرقمية لتصميم حملات تبرعات زائفة لمتضررين ومعسرين، والتدليل كذباً على صدق وضعهم المتدنّي وصحة حالاتهم المعروضة، بمقاطع معدلة بشكل دقيق لتبدو القصة أكثر واقعية وإلحاحاً، وفي بعض الحالات، تزوّر شهادات عن المعاناة الوهمية لأشخاص من فئات معينة، في محاولة لاستغلال المشاعر، والإشعار بالمسؤولية الاجتماعية تجاه تقديم المساعدة لهؤلاء.

استغلال الأوضاع

يرى د. خالد السلامي، عضو الأمانة العامة لـ«المركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي»، ممثل دولة ، أن ظاهرة التسوّل التقليدية في جمع التبرعات، تطورت وأضحت أكثر تعقيداً ودقةً، باستخدام أساليب متعددة تعتمد على التكنولوجيا ومواقع التواصل، واستغلال المناسبات الدينية، والاجتماعية، لتحقيق أرباح غير مشروعة.

ولفت إلى استخدام الهواتف الذكية، والمنصات الإلكترونية في نشر قصص ملفقة توهم أفراد المجتمع بحاجة أصحابها إلى مساعدة عاجلة. مؤكداً أن التأثير السلبي للتسوّل الاحتيالي لا يقتصر على الخسارة المالية فحسب، بل يمتد إلى تأثيرات اجتماعية ونفسية واسعة؛ فمع انتشار هذه الأساليب، يبدأ الناس في فقدان الثقة تجاه حملات التبرعات، وينتابهم شعور بالشك وعدم اليقين حيال مصير أموالهم، ما قد يؤدي إلى تراجع الدعم الحقيقي للذين يعيشون في معاناة حقيقية تستدعي المساعدة.

كما حذر من أن هذه الظاهرة يمكن أن تؤدي إلى تشــــــويه صورة العمل الخيري؛ حيث تـــصبح عملية التبرع محفوفة بالمخاطر والشكوك، وقد يؤثر ذلك سلباً في الأعمال الخيرية الحقيقية التي تُقدمها المؤسسات والجمعيات الموثوقة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع المساهمات المالية التي تُمنح للمشاريع الاجتماعية والتنموية، فضلاً عن إمكانية ترك فئة كبيرة من المحتاجين من دون دعم كافٍ في مواجهة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.

تأثير الأحوال

عن دور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في انتشار ظاهرة التسوّل الاحتيالي، أوضح السلامي، أنه في الأزمات الاقتصادية، أو بعد حدوث كوارث طبيعية، ينتشر شعور بالخوف والقلق بين أفراد المجتمع، ما يجعلهم أكثر استعداداً للمساهمة في حملات التبرعات، ويستغل المحتالون هذه الأوضاع الصعبة ليزرعوا بذور الشفقة والخوف، مدّعين أن التبرعات ستُسهم في تخفيف معاناة ضحايا الكوارث والأزمات الاقتصادية.

وفي هذا الصدد يضيء هؤلاء على مشاهد مؤثرة توثق الألم والمعاناة، سواء كانت صوراً أو مقاطع فيديو، يجري تصويرها بطريقة تُبرز الدمار والخراب، وتستغل هذه المشاهد الحالة النفسية الهشّة للمجتمع، وتدعو المتبرعين للتبرع بسخاء من دون التحقق من صحة المطالب، أو صدقية الجهات الداعية للمساعدة، ما يؤدي لاختلاس أموال التبرعات التي كانت من المفترض أن تصل إلى ذوي الحاجة الفعلية.

تضافر الجهود

وعن أساليب مواجهة ظاهرة التسوّل الاحتيالي، لفت إلى أنها تتطلب تضافر جهود الحكومات والسلطات المحلية، مروراً بالجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني، وحتى الأفراد أنفسهم، وقال: «من الأهمية رفع مستوى الوعي بين الناس بطرائق الاحتيال الجديدة، وتقديم نصائح عملية لكيفية التمييز بين الحملات الحقيقية والاحتيالية، وتوعية المتبرعين بضرورة التحقق من أن الجهة التي تطلب التبرعات لديها سجل حافل في تقديم المساعدة الحقيقية».

تطوير آليات رقابية

وطالب السلامي بتطوير آليات رقابية صارمة تضمن عدم استغلال المناسبات الخاصة لتحقيق أرباح غير مشروعة، وعلى السلطات المحلية التعاون مع الجهات المختصة في الأمن السيبراني، لتتبع الأنشطة الاحتيالية على الإنترنت، ومحاسبة من يتورط فيها، وتفعيل القوانين واللوائح التي تجرّم الاستغلال الاحتيالي للمناسبات والأحداث الخاصة، وتوفير حماية قانونية للمتبرعين والمحتاجين على السواء.

كما شدد على دور الإعلام في الإضاءة على هذه الظاهرة، وتحذير الجمهور من مخاطر التبرع من دون التأكد من صحة المطالب؛ حيث يمكن لوسائل الإعلام تبنّي حملات توعوية تضيء على أساليب الاحتيال، وتعرض قصصاً حقيقية عن الذين تضرروا.

دور المجتمع

لأفراد المجتمع دور كبير في مكافحـــــة ظاهرة التسوّل الاحتيالي، وهو ما أكده السلامي، وقال: «ينبغي للمتبرعين الحذر واليقظة عند مواجهة حملات التبرعات الإلكــــترونية، والبحث عن مؤسسات معروفة وموثوقة قبل تقديم أي تبرعات، وشخصياً، يجب أن يتحلى كل فرد بمسؤولية اجتماعية، بالبحث والتحقق من القصص التي تُعرض عليه، ولا بدّ من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بحكمة، وتجنب إعادة نشر المعلومات دون التأكد من مصادرها، للحدّ من انتشار الأخبار الزائفة، والحملات الاحتيالية».

تطوير تقنيات

وأشار إلى ضرورة تطوير تقنيات متقدمة للكشف عن المحتوى المزيف والاحتيالي، والاستثمار في البحث العلمي، لتطوير أنظمة تحقق آلية تضمن صدقية المعلومات قبل نشرها، وتعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لتبادل الخبرات والمعلومات، عن أساليب الاحتيال الجديدة، ما يساعد في بناء جدار دفاع عالمي، وإنشاء منصات مشتركة لتوثيق الحالات الاحتيالية ومشاركة البيانات بين الدول، ويمكن للدول تحديث قوانينها لتشمل الجرائم الإلكترونية، والاحتيال عبر الإنترنت بصرامة أكبر، ما يخلق رادعاً قوياً لمن يحاول استغلال المناسبات والأحوال لمصلحته.

تسخير التقنيات

وتتطلب هذه الظاهرة حماية أنفسنا تقنياً من رسائل الاستجداء وطلب المساعدة، التي ترد عبر المواقع الإلكترونية، واستبانة الزائف منها؛ وهنا يؤكد عبد النور سامي، مستشار أمن المعلومات، أن ظاهرة التسوّل الإلكتروني تمثل تحدياً جديداً أمام السلطات، لانتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الرسائل الفورية.

وأضاف أنه بلا شك أن، هذه الهجمات الاحتيالية ممتدة لعقود منذ انطلاق الإنترنت، إلا أنه ومع التطور، أصبحت هذه العصابات تسخر التكنولوجيا لتسهيل الوصول للأفراد، أولاً عبر عمل دعايات مدفوعة، يجري تخصيصها للوصول إلى المتبرعين، حيث يمكن ضبط الحملات الإعلانية للوصول للجمهور المستهدف بدقة، فيتمكن المحتالون من الوصول للمتبرعين للتبرع في حملاتهم الوهمية، فيما كانت هذه الحملات تستدعي كلف إنتاج عالية.

تزييف مقاطع

وأوضح أنه حالياً وباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن إنتاج الفيديوهات والصوتيات بدقائق معدودة وكلف محدودة، كما يمكن تزييف مقاطع أخرى، بمعنى يمكن أن يكون المشروع حقيقياً، لحفر بئر أو بناء مسجد وما شابه.

وتحدّث عن أحد الأمثلة التي شاهدها لحملة خيرية احتيالية؛ حيث صوّرت مجموعة من الأفراد كنيسة في الولايات المتحدة، مدّعين أنها مجاورة لمسجد، وهم في حاجة إلى الأموال لهدمها وتوسعة المسجد، وعندما قام بالتحقق، وجدت أن قانون الولاية المعنية، لا يسمح نهائياً باستبدال المباني أياً كانت إلى مساجد، وعليه فهذه الاحتيالات مدروسة، وتستغل عدم الإلمام بالقوانين.

نصائح واجبة

قدّم عبد النور سامي، مجموعة من النصائح للحماية من هذه الأساليب غير المشروعة، أولاها عدم التبرع إلّا عبر الجمعيات الخيرية في الدولة، والتحقق من صاحب الحالة بالمستندات، فإن كانت صادرة مثلاً عن مستشفى، فلا بدّ من التواصل مع المستشفى مباشرة، والدفع له أو لجهة معتمدة. كما يجب التحقق من الفيديوهات التي تبثّ عبر الإنترنت، بالتحقق من عمر الحساب ومدى تفاعله، وهل سبق له عمل دعايات سابقة، وفي حالات الحروب، مثلاً، فإن الهلال الأحمر الإماراتي والأونروا، هما الجهتان النشطتان في غزة بحسب الإمكانات المتاحة.

أما من الناحية الفنية، فيشير إلى أن المؤشرات التي تدل على تزييف الحملة الخيرية، عدم تناسق الصوت والصورة، ووجود اختلالات في الفيديو تشير لوجود تلاعب، واختلاف الجودة بين المشاهد واللقطات أيضاً. ولفت إلى أن الإشكالية ليست في وقوع الأموال في الأيادي الخطأ، بل في بعض الأحيان تحفظ بيانات بطاقة الائتمان، والحصول على مبالغ أكبر منها، باستمرار من دون موافقة صاحب البطاقة.

طريقة جديدة

وقال المحامي عيسى شطاف، إن التسوّل الإلكتروني هو الطريقة الجديدة، بدلاً من التسوّل العادي الذي كان منتشراً في القرن الماضي، وجميعنا نعاني أشخاصاً يدخلون إلى حساباتنا على مواقع التواصل، للاستجداء وطلب المساعدة المالية، بمزاعم مختلفة منها رغبتهم في علاج أحد أفراد أسرتهم، أو لعدم قدرتهم على سداد الإيجار، مستغلين رغبة بعضهم في عمل الخير والتصدق لوجه الله.

لذا من الأفضل عدم الاستجابة لمثل هذه الأفعال، وإذا رغب أي شخص في التصدق، أو فعل الخير فيمكنه التصدق عبر الجهات الشرعية التي حددتها الدولة.

استغلال منظم

يكمن دور الإعلام في التوعية والانتباه بعدم الوقوع في فخ الاحتيال الإلكتروني، وهو ما أكده الدكتور إسلام الشيوي، الخبير الإعلامي بحكومة الشارقة، ولفت إلى أن ما بات يُعرف بالتسول الإلكتروني، أحد أخطر التحديات الرقمية المعاصرة، لما ينطوي عليه من استغلال منظم لعواطف الناس ومشاعرهم، تحت غطاء المساعدة والإنسانية، بينما تقف وراءه في كثير من الأحيان جهات احتيالية محترفة، تُجيد صياغة الحيل النفسية واللغوية لتوريط المتلقين وسرقة بياناتهم، أو استنزاف أموالهم بطرق غير مشروعة.

التقدم التقني

وقال، إن هذه الظاهرة تتفاقم مع التقدم التقني، وسهولة الوصول إلى الجمهور عبر مواقع التواصل، حيث يلجأ المحتالون إلى ترويج قصص ملفقة عن مرضى أو أطفال يحتاجون للعلاج أو أسر تعاني أوضاعاً مأساوية، وغالباً تكون هذه الحالات وهمية، وتستخدم فيها صور مسروقة، وروابط خبيثة. وأكد ضرورة إطلاق حملات إعلامية موسعة، تتكامل فيها أدوار المؤسسات الإعلامية والجهات المختصة، وهيئات تنظيم الاتصالات، والشرطة المجتمعية، ومؤسسات التعليم، لرفع وعي المجتمع بخطورة هذا النوع من الجرائم الرقمية، وسبل منها، والتعريف بالجهات الرسمية المعتمدة للتبرعات، وطرق التحقق من صدقية الحملات الخيرية، وتأكيد أهمية الإبلاغ عن أي حالة مشبوهة. وأوضح الشيوي أن تشمل التوعية جميع فئات المجتمع، من طلبة المدارس والجامعات إلى كبار السن، مروراً بالنساء وربات البيوت، وحتى الأطفال الذين باتوا مستخدمين للهواتف الذكية والتطبيقات التفاعلية، حيث إن الوقاية الإعلامية والثقافية تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة هذا النوع من الجرائم الرقمية.

قديماً كان التسوّل يعتمد على مشهد تقليدي يتمثل في شخص يجلس على جانب الطريق، يرفع يده طالباً المساعدة من المارّة؛ ومع التطور التكنولوجي، أدرك المحتالون أن استغلال الوسائل الحديثة يمكن أن يؤدي لتحقيق مكاسب مالية أكبر وأسرع؛ لذا أصبح التسوّل عبر الإنترنت من أبرز جرائم الاحتيال الرقمي المعاصر، حيث يتخذ صوراً مختلفة، سواء برسائل عبر البريد الإلكتروني، أو أخرى نصية تتلقّاها الهواتف المتحركة، أو حتى بإنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل، معظمها يتضمن صوراً محزنة لمرضى في حاجة إلى العلاج، أو أيتام يبحثون عن مأوى، أو مساكين وأسر تعاني الفقر المدقع.

3 أشهر حبساً و10 آلاف درهم غرامة

قال المستشار القانوني سعيد علي الطاهر، إن التسول الإلكتروني هو استغلال وسائل التقنية الحديثة لطلب المساعدة المالية أو العينية بطرائق توهم الحاجة، سواء من أفراد أو منظمات وهمية.

ويجد تجريم التسول الإلكتروني سنده القانوني الأساسي في المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، فقد أولى المشرع اهتماماً خاصاً لمواجهة الجرائم التي ترتكب باستخدام مواقع تقنية المعلومات، ونظّم أحكاماً تفصيلية لمكافحتها، حيث تنص المادة (51) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 صراحة على تجريم التسوّل الإلكتروني.

وجاء فيها «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم، أو بإحداهما، كل من ارتكب جريمة التسوّل باستخدام وسائل تقنية المعلومات بالاستجداء أو بأية صورة أو وسيلة، ويشمل هذا الاستخدام طيفاً واسعاً من الأفعال، مثل نشر طلبات المساعدة عبر منصات التواصل، وإنشاء مواقع أو حسابات إلكترونية مخصصة للتسوّل، وإرسال رسائل إلكترونية أو نصية، تستهدف استدرار عطف ومساعدة الآخرين، أو حتى استغلال البثّ المباشر عبر الإنترنت لطلب التبرعات».

كيفية التمييز

تتطلب مواجهة جريمة التسول الإلكتروني، تضافر جهود الجهات الأمنية والقضائية والتوعوية، ومن الضروري تكثيف حملات التوعـــــية للجمــــهور بمخاطر التسول الإلكتروني، وكيــفية التمييز بين طلبات المساعدة المشروعة والمشبوهة.

الوعي الرقمي

طالب الدكتور إسلام الشيوي بدمج الوعي الرقمي ضمن المناهج الدراسية والبرامج الأسرية والمبادرات المجتمعية؛ لأن التسول الإلكتروني ليس مجرد سلوك فردي شاذ، بل ظاهرة مركّبة تتطلب استجابة شاملة، يقظة إعلامية، وتكاتفاً مؤسسياً لتجنيب المجتمع آثارها السلبية المتزايدة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا