تحقيق: محمد نعمان
بات استخدام الطلبة للهاتف المتحرك داخل المدارس، موضوعاً مهماً في النقاشات الدائرة بين الإدارات المدرسية وأولياء الأمور، بعد أن تجاوز استخدامه من مجرد وسيلة ترفيهية إلى أداة ضرورية لحاجات صحية وضرورات أسرية، وعلى الرغم من التوجيهات الواضحة من وزارة التربية والتعليم بشأن منع الهاتف داخل الحرم المدرسي، فإن الواقع يشير إلى تباين كبير في المواقف، وحتى في تطبيق القرار ذاته، بين الضرورة وسوء الاستخدام، ليبقى الجدل التربوي والاجتماعي مستمراً.
بحسب الواقع المدرسي، يعاني عدد من الطلبة حالات صحية تتطلب وجود الهاتف معهم طوال الوقت، خاصة المصابين بداء السكري الذين يحتاجون إلى متابعة القياسات باستمرار باستخدام تطبيق طبي مدمج في الهاتف، وقد يتعرض أحدهم لانخفاض مفاجئ في مستويات السكر يستدعي تدخلاً سريعاً من الأهل أو التحدث مع الطبيب، وحالات أخرى مثل من يتعرضون لنوبات التشنج. هنا يتحول الهاتف من جهاز للترفيه إلى وسيلة إنقاذ حقيقية.
هذه التجارب تفتح الباب أمام تساؤلات منطقية حول تطبيق المنع الكلي لاستخدام الهاتف في المدارس من دون النظر للحالات الخاصة، وهل هناك طريقة للتمييز بين من يستخدم الهاتف للضرورة ومن يستخدمه للترفيه؟ في الواقع، لا توجد آلية واضحة للفصل بين هذه الفئات، وغالباً ما يُطبّق القرار بشكل موحد، ما يخلق شعوراً بالظلم لدى بعض الأسر التي ترى أن أبناءها ليسوا كسائر الطلبة.
تواصل وحيد
ولي أمر طالبة بإحدى مدارس دبي أبلغ «الخليج»، أن ابنته مصابة بمرض مزمن «الضغط»، ويؤكد أن الهاتف هو وسيلة التواصل الوحيدة في حال حدوث أي طارئ، خصوصاً أن ابنته سبق وأن فقدت وعيها فجأة، ولولا أن الهاتف كان معها وأرسلت رسالة صوتية لوالدتها، لما عرف بمشكلتها إلا بعد أن تأزمت حالتها، وتساءل: «أعلم بوجود القرار الوزاري، لكن ماذا أفعل إذا كان الخطر على صحتها حقيقياً ومباشراً؟».
لا يمكن تجاهل المخاوف المشروعة من استخدام الهاتف بشكل سيئ داخل المدرسة، حيث إن بعض الطلبة يستخدمون الكاميرات في التصوير من دون إذن، ما يشكل انتهاكاً صريحاً لخصوصية الزملاء والمعلمين، وقد يقود إلى مشكلات قانونية إذا تم تداول الصور أو المقاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك تنتشر حالات التنمر الإلكتروني، التي قد تبدأ من داخل الفصل الدراسي عبر تطبيقات المحادثة ولا تنتهي عند بوابة المدرسة. هذه السلوكيات لا تظهر في العلن، لكنها تترك أثراً نفسياً حاداً على الطلبة، وتخلّ بتوازن البيئة التعليمية.
تشتت الانتباه
تؤكد مها أحمد، مُعلّمة بإحدى المدارس الخاصة، أن الهواتف على الرغم من أهميتها لبعض الطلبة، أصبحت سبباً في تشتت الانتباه داخل الصفوف، وقالت: «نبدأ الحصة ونعرف أن هناك من يخفي هاتفه تحت الطاولة أو داخل الحقيبة، بعضهم يرد على رسائل، وبعضهم يتابع مقاطع فيديو. حتى لو لم يُخرج الهاتف، مجرد التفكير فيه يُربك تركيز الطالب. في حالات كثيرة ضبطنا طلبة يصورون زملاءهم من دون علمهم، وهذا أمر غير مقبول تربوياً ولا إنسانياً».
ولا يتوقف التأثير عند داخل الصف، إذ إن وجود الهاتف يجعل من الطالب أداة نقل يومية لما يحدث داخل المدرسة إلى العالم الخارجي، وهو ما يتعارض أحياناً مع خصوصية المؤسسة التعليمية، ففي حالة تم تداول صورة لمعلم من دون إذنه، أو لموقف داخل الفصل التقط بشكل مجتزأ، فإن الأضرار لا تقف عند حدود المدرسة، بل قد تصل إلى سمعة الشخص وتصنيفه الاجتماعي.
ووضعت وزارة التربية والتعليم بنداً صريحاً في تطبيق لائحة السلوك، بمصادرة أي هاتف متحرك بحوزة الطالب/ الطالبة داخل الحرم المدرسي، حيث يتم إبلاغ ولي الأمر بالمخالفة مع توقيع على النموذج 24 عند مصادرة الهاتف أول مرة ولمدة شهر، ونموذج 25 عند استلام الهاتف وفي حالة تكرار السلوك تكون مصادرة الهاتف إلى نهاية العام الدراسي، وفي حال وجود صورة للمعلمين وللطلبة والموظفين يُحوّل إلى وحدة حقوق الطفل لإتمام اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وفي مقابل هذه الضوابط، هناك أصوات تربوية تدعو إلى إعادة النظر في القرار، ليس من باب التشكيك في جدواه، لكن من منطلق التطور التقني الذي أصبح يحكم كل تفاصيل الحياة.
أسباب طارئة
يشير أحمد عبد الحميد، تربوي وأكاديمي، إلى أن نسبة من الطلبة باتوا يعتمدون على تطبيقات هاتفية في تتبع حالتهم الصحية، أو في تلقي رسائل من أولياء أمورهم لأسباب طارئة، مثل تغيير وقت أو وسيلة الخروج من المدرسة، ويقترح البحث عن حلول وسط مثل تخصيص أوقات محددة لاستخدام الهاتف، أو السماح لطلبة الحالات الصحية الموثقة بحمله وفق نموذج طبي معتمد.
ويتفق معه صالح الغمري، تربوي، ويرى أن المعضلة لا تكمن فقط في الهاتف بصفته جهازاً، بل في البنية التربوية التي لم تواكب تحولات التقنية بعد، وأوضح أن التربية الحديثة لا تقتصر على التعليم، بل تشمل التوجيه الرقمي، وتعليم الطالب كيف يتعامل مع الأدوات التكنولوجية بشكل مسؤول وآمن، لكن هذا الجانب لا يزال ضعيفاً في كثير من المدارس، وربما هذا ما يجعل أي وجود للهاتف يبدو تهديداً أكثر منه فرصة تعليمية.
ولفت إلى أن بعض الطلبة يعيشون حالة من التناقض يومياً، فبعضهم يعتبر القرار صارماً ويشعر بأنه مفصول عن واقعه الرقمي، حيث الهاتف جزء من تواصله مع العالم، ومن أدوات راحته النفسية.
وأضاف أنه على الرغم من أن القرار الوزاري صدر بهدف ضمان بيئة تعليمية آمنة، فإن التطبيق بحاجة إلى مرونة ومساحة للتقدير الفردي، لأنه من غير المنطقي أن يتساوى طالب يستخدم هاتفه لإرسال قراءة سكر الدم إلى والده أو يطمئن والدية على حالته الصحية مع آخر يستخدمه لتصوير زملائه في وضع غير لائق، والتعميم في العقوبة يجعل من القاعدة سبباً للاعتراض أكثر من كونها أداة ضبط.
الطالب والإدارة
في حلقات نقاشية تعليمية على قروبات إحدى المدارس تقول طالبة، إنها لا تستخدم الهاتف أثناء الحصص الدراسية، لكنها عندما تشعر بأنها مضغوطة تراسل أمها أو أختها، ولفتت إلى أنها لا تضر أحداً، لكن عندما تُضبط تعامل وكأنها خالفت قانوناً كبيراً.
ويرى طالب آخر أن الهاتف ضروري لمتابعة مهامه الدراسية، وأحياناً المعلم نفسه يطالبهم بالبحث عن معلومة على مواقع البحث أو استخدام الآلة حاسبة، وهنا يكون الهاتف مفيداً، لكن بعد الحصة، وهذا التضارب بين ما يُطلب من الطلبة وبين ما يُمنع عنهم، يولد شعوراً بالازدواجية، ويخلق فجوة في الثقة بين الطالب والإدارة.
ويقول عبدالله الشحي، أكاديمي، إن ما يُطرح من مقترحات ميدانية من قِبل أولياء الأمور والمعلمين يتمحور حول إيجاد آليات ترخيص استثنائية لمن يستحق، تحت إشراف طبي أو تربوي، مع توفير هواتف مدرسية للطوارئ يمكن للطلبة استخدامها بإذن مسبق، كما يمكن تدريب الطلاب على استخدام الهاتف في السياقات التعليمية بدلاً من منعه تماماً، وذلك ضمن برامج التثقيف الرقمي التي تدمج بين التكنولوجيا والمسؤولية.
فهم المخاطر
قال عبدالله الشحي أنه ليس من السهل ضبط سلوك الطلبة في عصر الأجهزة الذكية، لكن الحل لا يكمن في المنع فقط، بل في تمكين الطالب من فهم المخاطر، وتعزيز ثقته بأن الهاتف أداة يمكن أن تخدمه أو تؤذيه، تبعاً لطريقة استخدامه. حين تنجح المدرسة في أن تكون شريكاً في هذا الفهم، لا مجرد سلطة تفرض القرار، فإنها تكون قد اقتربت خطوة من التوازن المطلوب بين الضرورة والحدود، بين التكنولوجيا والانضباط.
مراجعة شاملة
مع تزايد النقاش حول هذا الموضوع، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة تجمع بين التشريع والتربية والواقع، تأخذ بيد الطالب نحو استخدام آمن ومسؤول، لا يحرمه مما يحتاج إليه، ولا يعرضه أو زملاءه للأذى، فقط حين نعيد تعريف الهاتف في البيئة التعليمية، بصفته وسيلة مشروطة وموجهة، يمكن للمدرسة أن تجمع بين الانضباط والرعاية، وبين القانون والرحمة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.