عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

«نادية» تنال الدكتوراه بعد رحيلها في حادث سير مأساوي

كانت الأسرة تستعد للاحتفال بإنجاز طال انتظاره، إذ تأهب أفرادها لرؤية (نادية) تعتلي منصة التكريم، خلال أيام قليلة، مرتدية عباءة التخرّج، لتضع شهادة الدكتوراه في يد والدتها، كما وعدتها، لكن الصمت خيّم فجأة على المكان والوجوه بعدما خطف الموت (نادية) بلا إنذار، لترحل عن عالمنا إثر حادث سير مأساوي قبل أيام من حفل التخرج في جامعة الشارقة.

وفي الحفل وقفت والدة (نادية) مكان ابنتها الراحلة لتتسلم شهادتها، وسط تصفيقٍ ممزوج بالدموع، ونظرات غلبها الدعاء، لحظة امتزج فيها فخر الإنجاز بمرارة الغياب، وحلم اكتمل من دون أن تراه صاحبته.

« اليوم» زارت منزل عائلة الدكتورة نادية أيمن ناصيف، حيث الحزن لايزال يغلف الزوايا، والذكريات تقاوم الغياب بصور وابتسامات خجولة.

في حديثها لـ«الإمارات اليوم»، وصفت المهندسة، فرح عبدالرحيم الحصني، والدة (نادية)، لحظة استلام شهادة الدكتوراه، قائلة: «دخلت قاعة التخرّج التي شاركتها فيها لسنوات، من البكالوريوس حتى الدكتوراه، لكن هذه المرة دخلت وحدي، من دون (نادية)، مع كل خطوة كان قلبي يرتجف، وكنت أردد في داخلي: هي معي، إذ شعرت بروحها تحيطني، تهمس لي أن أتماسك، وأفرح لها، بلا انكسار».

وأضافت: «استحضرت ذكر الله، وأغمضت عيني، بانتظار سماع اسمها من بين الخريجين، وعندما نادوا اسمها صعدت درجات المسرح بثبات، على الرغم من أن داخلي كان يغلي بالشوق والألم، لكني شعرت بأنها تبتسم لي، وأنها حاضرة وإن غاب الجسد».

وأوضحت: «مازلت أذكر حين غادرت القاعة، حيث تسابق الجميع للعناق والدعاء، والدموع تغمر أعينهم، وسمعت ترحمات الناس في كل ركن، وامتلأت القلوب بذكرها، حينها أيقنت أن الله أكرمها، وإن غابت، فمازالت تزرع في القلوب حباً ودعاءً».

إنسانة استثنائية

وقالت إن (نادية) لم تكن باحثة مجتهدة فقط بل إنسانة استثنائية، فمنذ طفولتها لم تكن ترضى بالقليل، حيث حملت في قلبها شغفاً بالعلم، وعلى الرغم من زواجها ومسؤولياتها كأم وموظفة، لم تتخلَّ عن حلمها، حيث تحدت الصعاب، وثابرت حتى أكملت أطروحتها، وأرسلتها للجامعة قبل رحيلها بفترة قصيرة.

وأوضحت: «على الرغم من أن جسدها غاب، إلا أن شهادتها وصلتنا، وروحها كانت حاضرة، تزفّ فرحتها مع كل من أحبّها، لقد نالت شهادتين: شهادة من الدنيا، وشهادة نحتسبها عند الله».

وأشارت: «لم تكن (نادية) ابنتي فقط، بل كانت صديقتي ورفيقتي وسندي، التي ألجأ إليها في الأمور كافة، فقد زرعت القيم في قلوب الجميع، وأقولها بفخر.. كنت أتعلم من ابنتي، التي كانت تحمل وعياً ونضجاً ورحمةً تفوق عمرها، وكأن الله منحها نعمة خاصة.. (نادية) لم ترحل، فالأثر لا يموت، وعلمها وقيمها وحبها للخير باقية فينا وفي كل من عرفها».

وقالت: «رسالتي لكل أم وأب وطالب علم: اصبروا واحتسبوا، فالفقد مؤلم لكنه يحمل رحمة لا يدركها إلا قلب مؤمن، (نادية) كان عندها إيمان عميق بالله، أكرمها في حياتها وبعد رحيلها، وأدعو الله أن يجعل علمها نوراً في قبرها، ويلهم كل أب وأم الفخر بأبنائهما مهما كانت الأقدار».

شعور مختلط

قال والد (نادية)، أيمن وليد ناصيف: «حين علمت أن ابنتي ستُكرَّم بعد وفاتها، وأن والدتها ستتسلّم شهادة الدكتوراه نيابةً عنها، كان شعوري مختلطاً، فيه من الفخر ما لا يوصف، وفيه من الألم ما لا يُحتمل، كنت حاضراً يوم الحفل، لكنني لم أتمكن من الصعود إلى المسرح.. لم تسعفني قدماي، ولا قلبي، رأيت الخريجات ووقفت أراقب الجمع، لكنني لم أستطع.. الحمدلله، والدتها كانت قوية بما يكفي لتحمل هذا الموقف العظيم، ولتكون رمزاً لصبر الأمهات».

أكثر ما يميز «نادية»

وأضاف أن «(نادية)، رحمها الله، كانت شغوفة بالعلم منذ البداية، رافقتها في كل مراحلها، من البكالوريوس حتى الدكتوراه، وكنت شاهداً على تعبها وتصميمها، جمعتنا ذكريات لا تُنسى، مملوءة بالفخر والاعتزاز، وأكثر ما كان يميز (نادية) هو تفوقها، ليس أكاديمياً فقط، بل إنسانياً أيضاً، كانت زوجةً وأماً وطالبة دكتوراه، ونجحت في الموازنة بين أدوارها بإصرار وإتقان».

وقال: «رسالتي للشباب.. لا تكتفوا بالقليل، فالطموح لا حدود له، والنجاح يحتاج إلى اجتهاد وصبر، (نادية) أكملت دراستها على الرغم من مسؤولياتها كزوجة وأم، وأثبتت أن الإرادة تصنع المستحيل».

صمام الأمان

وقالت شقيقة (نادية)، الإعلامية شهد ناصيف: «لا أستطيع أن أصف (نادية) بأنها كانت مجرد أخت، لأنها كانت صمام الأمان للجميع، وعماد العائلة، والمرجع الذي نعود إليه كلما ضاقت بنا السبل أو احترنا في قرار».

وأضافت أن «(نادية) أمي الثانية، فقد حملت مسؤولية تربيتنا، وأسهمت في تعليمنا، ودرستني شخصياً في المرحلة الابتدائية. وكانت السبب في أنني أحببت العلم، وتعلّقت بالتفوق، إذ كانت تشجعني، وتبني في داخلي الثقة، وتدفعني للاستمرار».


ثقل المسؤولية

وتابعت: «بعد وفاتها، أحسست بأن ثقل المسؤولية قد انتقل إليّ، فأنا أردد كلماتها بيني وبين نفسي، وأشعر بأن من واجبي أن أكون كما كانت هي: قوية، محبة، مسؤولة، ورسالتي لـ(نادية): أنتِ قدوة لي، ولكل من يريد أن يكمل دراسته، ويرتقي بعقله وفكره».

وقالت: «أدعو الجميع إلى حسن الظن بالله، وأحثهم على جبر الخواطر، لأن حسن الظن بالله طريق للرضا، والسكينة، والتوازن».

فخر التكريم

وتحدث المهندس محمد ناصيف، شقيق الدكتورة الراحلة (نادية) بمرارة الفقد، وفخر التكريم، وصدق الأخ الذي رافق أخته في رحلة العمر، مؤكداً أن «(نادية)، رحمها الله، كانت تنتظر يوم تتويجها بشغف، وكانت تعدّ الأيام بلهفة، وجعلتنا جميعاً نستعد لهذا اليوم، كأنه عيد في منزلنا، لكن، قضاء الله فوق كل شيء».

وقال: «عندما سمعنا اسمها مرفقاً بعبارة رحمها الله، امتزجت مشاعر الفرح والحزن بطريقة لا توصف، فضلاً عن وقوف الحاضرين، وتصفيق الخريجين، واحترام الجمهور، مع الرحمة، فقد كان المشهد مهيباً، لكنها لحظة ستبقى محفورة في وجداني ما حييت».

ووجّه محمد رسالة مؤثرة لأخته الراحلة قائلاً: «رأينا اليوم الذي حلمتِ به، وسمعنا دعوات الناس لكِ. تكريمك لم يتوقف، بل امتد بعد رحيلك، لأنك تستحقين هذا وأكثر.. رحمك الله، ورفع قدرك، وخلّد أثرك».

رحلت نادية ناصيف تاركة طفلاً لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، يحمل في عينيه سرّ الفقد، فيما يتردد صوت والدته في ضحكته وخطواته الأولى نحو المستقبل.

إنجازات مهنية

كانت الدكتورة نادية أيمن ناصيف باحثة متميزة في مجال الهندسة الإنشائية، حاصلة على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة الشارقة، بعد مسيرة أكاديمية امتدت لـ12 عاماً من التفوق والاجتهاد.

تخصصت في الهندسة الإنشائية التحليلية، وركّزت أبحاثها على:

■ الخرسانة المسلحة بالألياف (FRC).

■ أنظمة الخرسانة المسلحة بألياف البوليمر FRP.

■ دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة وسلامة المنشآت الإنشائية.

ورغم أنها حديثة التخرج، فقد أنجزت في خمس سنوات للتحضير للدكتوراه، ما يستغرق عقوداً من العمل الأكاديمي.

نُشر لها 12 بحثاً علمياً مُحكّماً ضمن قاعدة Scopus، أُدرجت ثمانية منها ضمن مجلات مصنّفة في الربع الأول (Q1) عالمياً.

كما حققت معدل تأثير استشهادات بنسبة 1.74، أي أن أبحاثها استُشهد بها بنسبة 74%، أكثر من المعدل العالمي في مجالها.

وقد تم قبولها أخيراً في فرصة بحثية لما بعد الدكتوراه في جامعة دبي، حيث كانت تستعد لقيادة أبحاث مبتكرة في مجال الذكاء الاصطناعي لمراقبة الهياكل، وهو المجال الذي كانت تسعى لتطويره بشغف.

• في منزل عائلة الدكتورة نادية.. الحزن يغلف الزوايا والذكريات تقاوم الغياب بصور وابتسامات خجولة.

والد نادية:

• شعوري يوم الحفل مختلط.. «فخر لا يوصف وألم يصعب احتماله».

والدة نادية:

• «نادية» لم تغادرنا لأن الأثر لا يموت، وعلمها وقيمها باقيان وممتدان.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا