يؤكد عدد كبير من الأطباء حاليًا مدى تأثير كل من نمط حياة الإنسان، ونوعية نظامه الغذائي، ومدى التزامه بممارسة التمارين الرياضية في احتمالية إصابته في المستقبل بأحد الأمراض المزمنة، مؤكدين أن للعوامل السابقة دورًا أكبر بكثير في التأثير في خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مقارنةً بالمخاطر والعوامل الوراثية.
يؤكد مختص وارثة الأمراض آرون دورفاسولا صحة هذا الرأي، إذ شدد على أهمية الدور الذي يؤديه نمط الحياة في تحديد هل شخص ما سيصاب بالفعل بمرض محدد أم لا.
مع ذلك أشار آرون إلى حقيقة مهمة، تتمثل باكتشاف العلماء أن للعوامل الوراثية دورًا كبيرًا أيضًا في زيادة خطر إصابة شخص ما باضطراب صحي معين، بعد دراسة الباحثين والعلماء الجينوم البشري بالكامل عام 2003.
الدراسات التي تركز على تقدير احتمالية وراثة المرض -مجال يهدف لتوضيح مدى تفسير الفروقات الجينية بين البشر للفروقات في مخاطر إصابتهم بالأمراض- تُرجع جزءًا كبيرًا من الاختلافات في احتمالات الإصابة بالمرض إلى أسباب وراثية.
تبين لفريق البحث أن الطفرات الوراثية التي قد تحصل في أي جزء من الجينوم البشري قد تؤدي دورًا في الإصابة ببعض الأمراض مثل داء السكري من النمط الثاني، الذي تُعد 17% من أسباب الإصابة به وراثية، والفصام، والذي تمثل نسبة الأسباب الوراثية له نحو 80%.
في بعض الأمراض، مثل داء تاي- ساكس والتليف الكيسي، يكفي حدوث طفرة جينية واحدة للإصابة بالمرض. تتصف من ناحية أخرى الأمراض المزمنة بكونها متعددة المورثات، ما يفسر تأثرها بعدد من الطفرات الوراثية في أكثر من جين على امتداد الجينوم البشري.
تتميز جميع الأمراض المعقدة بامتلاكها عوامل خطر وراثية وأخرى بيئية. يدرس الباحثون النوعين السابقين كل على حدة، نظرًا إلى وجود صعوبات تقنية ونقص واضح في مجموعات البيانات المنظمة والكبيرة. يملك البعض منهم تقنيات متطورة تمكنهم من تخطي الصعوبات السابقة، إلا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من تطبيقها على مجموعة من الأمراض والعوامل البيئية.
طور آرون وزميله الباحث أليكس برينس بعض الأدوات للاستفادة من بعض مجموعات البيانات الموجودة أصلًا، لدراسة التأثيرات المشتركة لكل من عوامل الخطر البيئية والوراثية على البيولوجيا الكامنة وراء المرض وقياسها.
الأسبرين والعوامل الوراثية وسرطان القولون:يفيد مثال استهلاك الأسبرين وسرطان القولون في فهم التداخلات والطبيعة العلاقة بين العوامل الجينية والبيئية.
هدف فريق من الباحثين لدراسة مدى قدرة الاستهلاك المنتظم للأسبرين على تخفيض خطر الإصابة بسرطان القولون. أراد الباحثون معرفة هل الطفرات الوراثية التي تسبب إبطاء سرعة تفكيك الأسبرين في الجسم، ما يؤدي بدوره إلى بقاء مستويات الأسبرين مرتفعة وقتًا أطول في الجسم، قد تزيد من تأثير الأسبرين المعاكس لسرطان القولون.
تبين صحة افتراضهم، إذ لاحظوا انخفاض مستويات الإصابة بسرطان القولون بين المرضى الذين امتلكوا معدل استقلاب منخفضًا للأسبرين، ما يدل على تأثر فعالية عقار ما بوراثة الإنسان.
على هذا ازدادت التساؤلات بشأن مدى تأثير كل من الوراثة ومزيج من العوامل البيئية، مثل أنواع الأدوية التي يتناولها المريض، في خطر إصابته بمرض ما، ومدى فعالية العلاج.
تتصف طبيعة العلاقة بين تداخل العوامل البيئية والجينية في حالة الأسبرين وسرطان القولون بكونها غير اعتيادية. تتضمن الحالة السابقة حدوث طفرة في موقع محدد في الجينوم البشري، ما يؤثر تأثيرًا كبيرًا في خطر الإصابة بسرطان القولون. بينت الأبحاث التي أجراها العلماء على مدى 25 سنة الماضية في مجال الوراثة البشرية أن حدوث الطفرات واسعة التأثير هذه يُعد أمرًا نادرًا.
بينت التحليلات أن التأثير الوسطي للتغيرات الجينية على الطول تقدر بنحو 0.14 ميلي متر فقط. يدل ذلك على وجود مئات التغيرات الوراثية محدودة التأثير في الجسم، ما يزيد بدوره من صعوبة إيجادها، وإن كانت تزيد مجتمعةً خطر إصابة الفرد باضطراب صحي معين.
التداخلات المتعددة بين العوامل الوراثية والبيئية:بدأ الباحثون البحث عن بعض الحالات التي أظهرت فيها التغيرات الوراثية في الجينوم تأثيرات مختلفة في بيولوجيا الفرد في بيئات مختلفة. جمع فريق البحث السابق بيانات من الجينوم بأكمله بهدف تحويل التأثيرات الصغيرة والفردية إلى تأثير واحد كبير يمتد على مدى الجينوم، بدلًا من محاولة إيجاد كل تأثير صغير ناتج عن كل متغير وراثي على حدة.
بالاستعانة ببيانات البنك الحيوي للمملكة المتحدة، تمكن الباحثون من تقدير تأثير ملايين التغيرات الوراثية على 33 صفة بشرية ومرض، مثل صفة الطول ومرض الربو.
قسم فريق البحث الأشخاص إلى مجموعات بناء على تعرضهم لبعض العوامل البيئية مثل تلوث الهواء، وتدخين السجائر، وطبيعة النظام الغذائي. طور الباحثون اختبارات إحصائية لدراسة مدى تأثير الجينات في خطر الإصابة بمرض ما.
لاحظ فريق البحث اختلاف مستويات الواسمات الحيوية في كل حالة من حالات التعرض السابقة، إذ اكتشف الباحثون 3 أنواع من التداخلات الوراثية البيئية.
وجد العلماء 19 زوجًا من الصفات المعقدة والتعرضات البيئية التي تتأثر بالمتغيرات الجينية على مدى الجينوم البشري. مثلًا، يختلف تعداد كريات الدم البيضاء في الجسم لدى المدخنين مقارنةً بغير المدخنين.
بمقارنة تأثيرات الطفرات الوراثية بين المجموعتين السابقتين، تبين أن قوة التداخلات الجينية والبيئية قد تفسر تغيير التدخين للطريقة التي تؤثر بها الجينات في تعداد الكريات البيضاء في الجسم.
ثانيًا، بحث الفريق عن بعض الحالات التي يتأثر فيها توريث صفة ما بالبيئة المحيطة. أي إن جميع المتغيرات الجينية تصبح أقوى تأثيرًا في بيئات محددة، بدلًا من الاعتقاد بأن بعض المتغيرات الوراثية تملك تأثيرات مختلفة في بيئات مختلفة.
لاحظ الباحثون زيادة احتمال وراثة مشعر كتلة الجسم بنسبة 5% بين معظم الناس النشطين. ما يعني أن الجينات تؤثر بشكل أكبر في مشعر كتلة الجسم كلما كان الشخص أكثر نشاطًا. اكتشف الفريق 28 زوجًا مشابهًا من العوامل البيئية والوراثية مثل علاقة ارتفاع مستويات الكوليسترول عالي الكثافة مع استهلاك الكحول، وعلاقة الاختلال العصبي بالأرق.
ثالثًا، بحث الفريق عن نوع من أنواع التداخلات البيئية الوراثية يُسمى التضخيم المتناسب أو المشترك. إذ يزداد تأثير العوامل الجينية بازياد تعرض الفرد لبعض العوامل البيئية، والعكس بالعكس. ينتج من ذلك توازن تأثيرات كل من العوامل البيئية والوراثية بتساوٍ في صفة محددة.
اكتشف الباحثون وجود 15 رابطًا بين عوامل بيئية ووراثية مختلفة مثل سعة الرئة والتدخين، ومستويات الغلوكوز في الدم واستهلاك الكحول.
استطاع الفريق أيضًا إضافة بعض الأدلة الجديدة إلى الدراسات الموجودة سابقًا، التي تدعم تأثر العوامل الوراثية بجنس المرء، إذ لاحظوا مثلًا اختلاف تأثيرات الاختلال العصبي في العوامل الوراثية بين الجنسين.
اكتشف الباحثون إمكانية تأثير عدة أنواع من تداخلات العوامل الوراثية مع الجنس في الصفة ذاتها. مثلًا يختلف تأثير العوامل الجينية في ضغط الدم الانقباضي بين الجنسين، ما يدل على امتلاك المتغيرات الجينية المختلفة تأثيرات مختلفة بين الرجال والنساء.
اقرأ أيضًا:
الشيفرة الوراثية أو الكود الجيني Genetic Code
كيف يمكن أن تؤثر الأحداث في حياة الأجداد في الجينات الوراثية؟
ترجمة: رهف وقاف
تدقيق: أكرم محيي الدين
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.