لم يكن عام 2025 مجرد محطة إضافية في مسار التحول الرقمي في الشرق الأوسط، بل مثّل نقطة الانعطاف الإستراتيجية، التي أعلن فيها الذكاء الاصطناعي العربي نفسه كقوة سيادية تجاوزت مرحلة الاستهلاك التقني لتنتقل إلى مرحلة صياغة قواعد اللعبة العالمية. فابتداءً من منصات الحوسبة العملاقة التي تتشكل في الرياض، والتحالفات الاستثمارية المليارية التي شهدتها أبوظبي، ومرورًا بالطموحات القطرية المتسارعة، ووصولًا إلى الحراك التنظيمي والابتكاري المتصاعد في القاهرة والمنامة والرباط، تمكنت المنطقة من تفكيك المشهد التقني التقليدي، لتعيد رسم خريطة النفوذ التكنولوجي العالمي بأدوات وطموحات عربية خالصة.
فقد شهد هذا العام تحولًا جذريًا في التموضع الإستراتيجي للدول العربية الفاعلة، التي انتقلت من موقع المستهلك للتقنية إلى موقع المنتج والمنظّم وصانع القرار، عبر بناء بنى تحتية سيادية، وإطلاق منصات وطنية، واستقطاب سلاسل القيمة الكاملة للذكاء الاصطناعي؛ بدءًا من الرقاقات الإلكترونية المتقدمة ومراكز البيانات العملاقة، ووصولًا إلى النماذج اللغوية الوطنية وأطر الحوكمة.
وفي هذا السياق، يأتي حصاد 2025 ليكشف كيف تحول الذكاء الاصطناعي إلى محرك سياسي واقتصادي يعيد تعريف القوة في الشرق الأوسط، إذ لم يَعد السباق اليوم يدور حول “من يستخدم التقنية؟” بل حول “من يمتلك أصولها، ومن يملك حق تقرير قواعدها؟”.
أولًا؛ كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل اقتصاد الشرق الأوسط؟
يشهد الاقتصاد العالمي تحولًا متسارعًا تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ من المتوقع أن تسهم هذه التقنيات بنحو 15.7 تريليون دولار في الناتج الاقتصادي العالمي بحلول عام 2030. وضمن هذا المشهد، تبرز منطقة الشرق الأوسط كلاعب محوري، إذ تشير تقديرات شركة (PWC) إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستستحوذ على حصة من هذا النمو تُقدَّر بنحو 320 مليار دولار من هذه المكاسب، أي ما يعادل نحو 2% من إجمالي العوائد العالمية المتوقعة.
وفي هذا المشهد، تتصدر السعودية والإمارات قائمة أكثر الدول استفادة في المنطقة. فمن المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي أكثر من 135.2 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بحلول عام 2030، بما يمثل نحو 12.4% من اقتصادها. أما الإمارات، فتُظهر التقديرات أثرًا نسبيًا أعلى قليلًا، إذ يُتوقع أن تسهم هذه التقنية بنحو 14% من إجمالي ناتجها المحلي خلال المدة نفسها، مما يعكس عمق الرهان الإستراتيجي للدولتين على هذه التقنية كمحرّك رئيسي للنمو الاقتصادي المستقبلي.
ثانيًا؛ كيف تبني السعودية “أرامكو” المستقبل في عالم الذكاء الاصطناعي؟
تُعدّ المملكة العربية السعودية اليوم واحدة من أسرع أسواق العالم نموًا في طلب مراكز البيانات، إذ تشير التقديرات المرتبطة بالمشاريع والصفقات التقنية الكبرى التي تقودها المملكة ضمن رؤية 2030 إلى أن إجمالي الاستثمارات المرصودة والمحققة في هذا القطاع تتجاوز تريليون ريال، مدفوعًا بمشاريع سيادية وصفقات واستثمارات تقنية.
فقد شهد مؤتمر (ليب 2025) وحده إعلان عن صفقات واستثمارات تقنية تجاوزت 14.9 مليار دولار، في حين شهدت النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII 9)، توقيع اتفاقيات استثمارية تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار، شملت مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية.
ويقود معالي المهندس عبدالله السواحه، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، هذا الحراك عبر جذب استثمارات من كبرى الشركات التقنية لإنشاء مناطق سحابية ومراكز بيانات تخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة، والتعليم، والمالية، والرعاية الصحية، وغيرها.
1- شركة هيوماين (Humain).. أرامكو الاقتصاد الجديد:
جاء إطلاق شركة (هيوماين) Humain، التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في شهر مايو 2025، ليجسّد انتقال السعودية إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، إذ تتطلع الشركة إلى جعل المملكة ثالث أكبر دولة في العالم في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بعد الولايات المتحدة والصين، وذلك وفق تصريحات سابقة لطارق أمين، الرئيس التنفيذي للشركة.
كما أكد معالي فيصل الإبراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، خلال (ملتقى الميزانية السعودية 2026) الذي عُقد في أول شهر ديسمبر الجاري، أن دو الذكاء الاصطناعي لن يقتصر على تعزيز الإنتاجية فحسب، بل سيؤدي دورًا أساسيًا في تعظيم العوائد الاقتصادية والمالية من الاستثمارات، مشيرًا إلى أن شركات سعودية مثل: (هيوماين)، تستعد لأداء دور ريادي في الاقتصاد المستقبلي، على غرار المكانة التي شغلتها (أرامكو) في قطاع الطاقة.
وقد بدأت (هيوماين) بالفعل تطوير مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي في مواقع متعددة داخل المملكة بقدرات أولية تُقدر بنحو 100 ميجاواط لكل موقع، تمهيدًا للتوسع التدريجي ووصولًا إلى بنية تحتية بسعة تبلغ 1 جيجاواط، مع طموح مفتوح للوصول إلى عدة جيجاواط مستقبلًا.
كما تتعاون الشركة مع أمازون ويب سيرفيسز (AWS)، لنشر وإدارة ما يصل إلى 150,000 مُسرِّع للذكاء الاصطناعي في منشأة مركز بيانات تُعرف باسم (منطقة الذكاء الاصطناعي) AI Zone، في الرياض.
وتتجاوز هذه المنشأة المتقدمة كونها مجرد مركز بيانات؛ بل هي مركز ثقل عالمي للحوسبة المتقدمة، إذ ستُزود بما يصل إلى 150,000 مُسرِّع ذكاء اصطناعي، لتصبح بذلك واحدة من أكبر وأقوى تجمعات القدرات الحاسوبية على مستوى العالم.
وعلى مستوى التطبيقات، أطلقت الشركة خلال شهر أغسطس 2025، تطبيق (هيوماين تشات) Humain Chat، المدعوم بنموذج (علّام 34B)، وهو النموذج اللغوي العربي المتقدم الذي طورته الشركة، والذي يتميز بإتقانه غير المسبوق للغة العربية ولهجاتها المختلفة، بالإضافة إلى وعيه العميق بالثقافة الإسلامية والشرق أوسطية.
2- الذكاء الاصطناعي الوكيلي العربي:
أطلقت شركة (هيوماين) أيضًا خلال شهر أكتوبر 2025، نظام التشغيل (HUMAIN ONE)، الذي يمثل الانتقال الفعلي من عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي التقليدي إلى عصر الذكاء الاصطناعي الوكيلي، الذي لا يكتفي بالإجابة عن الأسئلة، بل يمكنه تنفيذ المهام المؤسسية المعقدة بنحو مستقل.
ويتميز نظام (HUMAIN ONE) بقدرته على أتمتة وظائف الموارد البشرية، والمالية، والمشتريات ضمن واجهة موحدة تعتمد على اللغة الطبيعية، مما يقلل تعقيدات الحوكمة ويضمن دقة الامتثال. ويستمد النظام قوته من محرك التنسيق الوكيلي (agentic orchestration engine)، الذي طورته شركة (هيوماين)، إلى جانب النموذج اللغوي الكبير (علّام) AllaM، الموجّه للغة العربية أولًا، مما يضمن صدارة المملكة في معالجة اللغة العربية بذكاء اصطناعي سيادي.
وتكتمل هذه المنظومة بحاسوب (Horizon Pro PC) المزود بمعالج (Snapdragon X Elite) من كوالكوم، الذي كشفت عنه الشركة خلال شهر سبتمبر، والذي يتميز بزر مخصص للتفعيل الفوري للنظام، ببنية حوسبة فائقة السرعة من (Groq) مستضافة محليًا في مدينة الدمام. وبناءً على هذا التكامل بين الرقاقات والحواسيب وأنظمة التشغيل، تضع هيوماين معيارًا جديدًا للإنتاجية مثبتة أن المملكة باتت مصدرًا للحلول العميقة التي تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والآلة.
3- (سدايا).. العقل المدبر للسياسات:
شكّلت رؤية المملكة 2030 نقطة الانطلاق الفعلية لمسار الذكاء الاصطناعي في السعودية، بعدما ربطت البيانات والذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 66 هدفًا من أهداف الرؤية من أصل 96 هدفًا، مما جعله ركيزة رئيسية لتنويع الاقتصاد. ومع تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في عام 2019، حصل القطاع على قيادة مؤسسية قادرة على توحيد الجهود وبناء سياسات متقدمة من خلال الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى وضع المملكة بين أفضل 10 دول عالميًا في هذا المجال.
وخلال عام 2025، وسعت الهيئة الهيئة شراكاتها مع كبرى شركات التقنية والمنظمات الدولية لتطوير أطر تنظيمية تضمن الاستخدام الأخلاقي والآمن للذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية والأمنية والخدمية.
كما أطلقت الهيئة خلال العام مجموعة من التقارير والمؤشرات الوطنية، وأبرزها: المؤشر الوطني للذكاء الاصطناعي (NAII)، الذي يهدف إلى تقييم مستوى جاهزية الجهات الحكومية لتبني حلول الذكاء الاصطناعي، ومتابعة التقدم المحرز بشكل دوري، وتقديم التوصيات اللازمة لتعزيز جهود التطوير وتحقيق الأثر الوطني المطلوب بما يتماشى مع رؤية 2030.
وعلى الصعيد الدولي، عززت الهيئة مكانة المملكة عالميًا بانضمامها خلال العام إلى الشبكة العالمية الرفيعة المستوى للهيئات الإشرافية على الذكاء الاصطناعي (GNAIS)، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في باريس، في خطوة تُجسّد دور السعودية المتنامي في المساهمة في صياغة السياسات والأطر الأخلاقية الناظمة لهذا القطاع على مستوى العالم.
ثالثًا؛ كيف وضعت الإمارات نفسها في قلب خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية؟
وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها في قلب خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية عبر إستراتيجية متعددة الأبعاد، لم تكتفِ فيها بكونهامستخدمًا للتقنية، بل تحولت إلى قطب عالمي يمتلك البنية التحتية، والقرار الاستثماري، والقدرة التشغيلية. وشملت هذه الإستراتيجية ما يلي:
1- الاستثمار السيادي:
اعتمدت أبوظبي على منظومة متكاملة من الكيانات الاستثمارية العملاقة، في مقدمتها G42، و ADQ، وشركة الاستثمار المتخصصة MGX، لتوجيه رؤوس أموال ضخمة نحو الذكاء الاصطناعي، وأمن البيانات، والبنية التحتية الرقمية. ويُدار هذا الحراك برؤية إستراتيجية موحدة تحت إشراف سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بصفته رئيس مجلس إدارة هذه المؤسسات، ورئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، الذي أنشأته أبوظبي في عام 2024، ليكون مسؤولًا عن تطوير وتنفيذ السياسات والإستراتيجيات المرتبطة بتقنيات واستثمارات وأبحاث الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارة، مما يضمن تناغم المشاريع الوطنية مع التحولات التقنية المتسارعة.
ولم تكن هذه التحركات مجرد ضخ لرؤوس الأموال، بل مكنت الإمارات من النفاذ المباشر إلى سلاسل القيمة العالمية؛ لتتحول من دور الممول إلى الشريك الإستراتيجي الفاعل في تطوير وتشغيل التقنيات المتقدمة، وقد تجلى هذا الدور في بناء شراكات نوعية مع كبرى الشركات التقنية الأمريكية، وعلى رأسهم إنفيديا، ومايكروسوفت. وتُعدّ صفقة استثمار مايكروسوفت في شركة (G42) البالغة 1.5 مليار دولار، نقطة تحول كبرى، لأنها رسخت مكانة الدولة كمركز ثقل موثوق في منظومة التكنولوجيا العالمية.
2- الحوسبة السيادية (مشروع ستارجيت):
يمثل إطلاق مشروع (ستارجيت الإمارات) Stargate UAE في أبوظبي، نقلة نوعية في مشهد الذكاء الاصطناعي لدولة الإمارات والمنطقة بأكملها، إذ يضم هذا المشروع المشترك عمالقة مثل: (جي 42) الإماراتية، و(OpenAI)، وأوراكل، وإنفيديا، ومجموعة سوفت بنك، وسيسكو، ويُتوقع أن يوفر سعة ضخمة تبلغ 5 جيجاواط عند اكتمال طاقته القصوى، مما يجعله أحد أكبر مشاريع مراكز البيانات في العالم. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول تجمع حوسبي ضمن مشروع (ستارجيت الإمارات) بقدرة تبلغ 200 ميجاواط في عام 2026 القادم.
وفي دبي، تعمل شركة الاتصالات (دو) بالتعاون مع مايكروسوفت على بناء مركز بيانات ضخم فائق النطاق بتكلفة تقدر بنحو ملياري درهم إماراتي، ويؤكد هذا التعاون الشراكات الإستراتيجية التي تسعى إليها الإمارات لجذب كبرى الشركات العالمية في قطاع التكنولوجيا وتوطين أحدث التقنيات.
كما تستمر توسعات شركات الحوسبة السحابية الكبرى مثل: (أمازون ويب سيرفيسز) AWS، وعلي بابا، وإكوينيكس في كل من أبوظبي ودبي، في حين تهيمن خزنة لمراكز البيانات (Khazna Data Centers) على السوق الإماراتي بحصة سوقية تتجاوز 59%.
3- القيادة الحكومية السبّاقة:
كانت الإمارات أول دولة في العالم تعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي في عام 2017، وهو معالي عمر سلطان العلماء. وقد أثمر هذا السبق التنظيمي في 2025:
- تشريعات مرنة: على مدى نحو ثمانية أعوام، عملت الحكومة الإماراتية على بناء إطار تشريعي ومؤسسي مرن، مهيأ لاستيعاب موجة الاستثمار الأخيرة في القطاع، التي تجاوزت 148 مليار دولار منذ عام 2024، ما جعل البيئة التنظيمية عاملًا جاذبًا لا عائقًا أمام المستثمرين.
- إدراج الذكاء الاصطناعي كمادة أساسية في المناهج الدراسية: أدرجت الإمارات خلال عام 2025 الذكاء الاصطناعي كمقرر دراسي ضمن المنظومة التعليمية للمدارس الحكومية، ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال التأسيسية ووصولًا إلى الصف الثاني عشر (المرحلة الثانوية).
- تصدير التقنية: لم تكتفِ الإمارات ببناء الداخل، بل انتقلت إلى مرحلة تصدير القدرات، إذ أطلقت مبادرة (الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية) باستثمار قيمته مليار دولار لتطوير البنية التحتية في أفريقيا، مما حول الإمارات من مستورد للحلول إلى ومصدر للتكنولوجيا.
4- نمو سوق مراكز البيانات في الإمارات:
بلغت قيمة سوق مراكز البيانات في الإمارات 1.26 مليار دولار في عام 2024. ومن المتوقع أن يشهد هذا السوق نموًا كبيرًا ليصل إلى 3.33 مليارات دولار بحلول عام 2030، مما يؤكد جاذبية القطاع وإمكاناته المستقبلية.
ويدعم هذا النمو التزامات رأسمالية ضخمة؛ إذ تستثمر شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ) في أبوظبي وإنرجي كابيتال بارتنرز 25 مليار دولار في البنية التحتية للطاقة، وتدعم شركة (MGX)، ومايكروسوفت، وبلاك روك مبادرة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار.
رابعًا؛ قطر ودخول قوي عبر شركة (Qai):
شهد عام 2025 تحولًا جذريًا في إستراتيجية الدوحة بإطلاق شركة (Qai) الوطنية للذكاء الاصطناعي، التابعة لجهاز قطر للاستثمار، التي أعلنت مشروعًا مشتركًا مع بروكفيلد بقيمة تبلغ 20 مليار دولار، لإنشاء مركز حوسبة متكامل لتوسيع نطاق الوصول الإقليمي إلى قدرات الحوسبة العالية الأداء.
كما رسم جهاز قطر للاستثمار (QIA)، بصندوقه السيادي الذي تبلغ قيمته 524 مليار دولار، مسارًا اقتصاديًا إستراتيجيًا تجاوز حدود التوترات الإقليمية خلال عام 2025، إذ شارك الجهاز في جولات تمويل عملاقة لشركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما يشمل: الانضمام إلى جولة تمويل شركة أنثروبيك (Anthropic) البالغة 13 مليار دولار، والمشاركة في رفع تمويل شركة (xAI) التابعة لإيلون ماسك، التي قُدّرت قيمتها بمبلغ 200 مليار دولار.
خامسًا؛مصر والبحرين والمغرب على خريطة الذكاء الاصطناعي الإقليمية:
بينما ترسم السعودية والإمارات ملامح الاستثمارات المليارية الكبرى، تشهد بقية دول المنطقة حراكًا إستراتيجيًا مكثفًا لبناء أطر تنظيمية وقواعد ابتكارية تضمن لها موطئ قدم راسخ في الاقتصاد الرقمي الجديد. ويؤكد هذا الزخم الجماعي أن الذكاء الاصطناعي لم يَعد خيارًا ثانويًا بل أصبح ضرورة وطنية لإعادة صياغة المستقبل.
1- مصر تؤسس منظومة وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي:
دخلت الدولة المصرية عام 2025 برؤية أكثر وضوحًا لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ أطلقت النسخة الثانية من الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025-2030)، وقد أكد معالي عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن مصر تستهدف رفع مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 7.7% بحلول عام 2030، في واحدة من أكثر الخطط طموحًا في المنطقة.
وأوضح معاليه أن الإستراتيجية تقوم على ستة محاور رئيسية؛ تشمل:
- تطوير بنية تحتية متقدمة وموارد حاسوبية: تعمل الوزارة على توفير بنية تحتية فائقة لتلبية المتطلبات السيادية مع إشراك 250 شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
- حوكمة البيانات: إنشاء مصفوفة بيانات وطنية لإثراء الخوارزميات وتمكين المجتمع المعلوماتي المصري من التقدم في هذا المجال.
- الإطار التشريعي: تفعيل قانون حماية البيانات الشخصية، وسياسة الحوسبة السحابية أولًا، والميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول إلى جانب سياسة البيانات المفتوحة.
- تطبيقات التنمية: جرى إطلاق مبادرات عملية في قطاعات حيوية، أبرزها الرعاية الصحية من خلال منظومة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، مع استمرار العمل على توسيع نطاق التطبيقات في مختلف القطاعات.
- بناء القدرات: استهداف تدريب 30 ألف متخصص في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، بعد نجاح تدريب نصف مليون متدرب في قطاع الاتصالات العام الماضي.
- نشر الوعي: استهداف تمكين 25% من العاملين في الجهاز الإداري و36% من المواطنين من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية.
توطين الصناعة.. مصر مركز إقليمي لإنتاج الهواتف الذكية:
بالتوازي مع الثورة البرمجية، يشهد قطاع التصنيع الإلكتروني طفرة غير مسبوقة في مصر؛ إذ ارتفع عدد مصانع الهواتف الذكية إلى 14 مصنعًا، ومن المقرر أن تبدأ الدولة التصدير ببداية العام المقبل، فقد بلغ الإنتاج 3.5 ملايين وحدة العام الماضي، مع التزامات تصل إلى 9 ملايين وحدة بنهاية عام 2025، إلى جانب خطط لزيادة الطاقة الإنتاجية والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة لتعزيز التنافسية.
2- البحرين تبني منظومة ذكاء اصطناعي مسؤولة:
بينما سارع العالم خلال عام 2025 نحو الأتمتة الكاملة، اختارت مملكة البحرين مسارًا يرتكز على الذكاء الاصطناعي المسؤول، جاعلةً من التقنية ممكنًا للتنمية البشرية والنمو المستدام. فقد صاغت البحرين منظومة أخلاقية وتشريعية متكاملة تضمن أن يظل القرار للبشر، وهو المبدأ السيادي الذي وضعته المملكة كأساس في سياستها الوطنية للذكاء الاصطناعي، التي أطلقتها في شهر مايو 2025، والتي تحدد الإرشادات الأخلاقية والإستراتيجية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بنحو مسؤول في كل من القطاعين العام والخاص.
وتوجت منظمة (اليونسكو) في نوفمبر 2025 جهود البحرين عبر تقرير تقييم الجاهزية الوطنية للذكاء الاصطناعي، الذي أكد استيفاء البحرين للمعايير الدولية في ستة محاور أساسية، منها: البنية التحتية، والتشريعات، والبحث العلمي. كما اعتمدت المملكة إرشادات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع العام، بالتعاون مع مركز الثورة الصناعية الرابعة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.
ولم تغفل المنامة عن الاستثمار في بناء الكفاءات الوطنية عبر شراكات تعليمية عالمية، مثل: إنشاء أكاديمية الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مايكروسوفت، وتحفيز الابتكار من خلال المختبرات الحكومية مثل مختبر الابتكار، الذي أطلقته هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية لتحويل الأبحاث الجامعية إلى منتجات تقنية قابلة للتطبيق في القطاع الحكومي، وكذلك المسابقات الوطنية مثل مسابقة خالد بن حمد للابتكار والذكاء الاصطناعي (HackFest).
وبهذا النهج، ترسخ البحرين نموذجًا إقليميًا يربط الذكاء الاصطناعي بالحوكمة الرشيدة، ويؤسس لاقتصاد رقمي قائم على المعرفة والثقة قبل السباق على الحجم والاستثمارات.
3- المغرب تعزز السيادة الرقمية والذكاء الاصطناعي:
تسعى المملكة المغربية بخطى واثقة إلى ترسيخ مكانتها كقطب رقمي فاعل ومؤثر في منظومة الذكاء الاصطناعي إقليميًا وإفريقيًا، انطلاقًا من رؤية ترى أن القارة الإفريقية يجب أن تنتقل من دور حقل التجارب إلى موقع المنتج والمقرّر للتكنولوجيا.
وتتجسد هذه الطموحات في إطار إستراتيجية (المغرب الرقمي 2030) الوطنية، التي جعلت من الرقمنة والذكاء الاصطناعي أولوية وطنية طويلة المدى، تهدف من خلالها المغرب إلى بناء اقتصاد معرفي متين وتعزيز سيادتها الرقمية، بما يضمن لها دورًا في خريطة الابتكار العالمي.
وشهد عام 2025 خطوة نوعية بإطلاق المغرب مركز الرقمنة من أجل التنمية المستدامة (D4SD)، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف توظيف حلول الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل: الصحة والتعليم، وربط الابتكار التكنولوجي بأهداف التنمية الاجتماعية.
وعلى صعيد الشراكات الدولية، وقّعت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة في المغرب، اتفاقية إستراتيجية مع شركة (Mistral AI) الفرنسية، بهدف توطين البحث التطبيقي وتطوير حلول ذكاء اصطناعي مصممة خصوصًا لاحتياجات الشركات المغربية.
كما ركزت الجهود المغربية على دعم المشاريع الصناعية الناشئة عبر تبادل المعرفة والتكوين، لتحويل المملكة إلى مختبر للابتكار الرقمي، الذي يخدم القارة السمراء والأسواق الدولية.
الخلاصة.. رسم خريطة النفوذ التكنولوجي العربي:
لقد أثبت حصاد 2025 أن الشرق الأوسط لم يَعد ينتظر ما تسفر عنه مختبرات وادي السيليكون، بل بدأ ببناء مختبراته الخاصة، وتطوير نماذج لغوية سيادية، وصياغة قوانينه الرقمية. إن إعادة رسم خريطة النفوذ التي شهدناها هذا العام هي مجرد البداية لعصر تكون فيه قوة الحوسبة هي العملة الجديدة للمنطقة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة البوابة العربية للأخبار التقنية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من البوابة العربية للأخبار التقنية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
