رحل قبل قليل الناقد الكبير مجدي الطيب تاركا العديد من المقالات والكتابات الثرية لجمهور ومحبي النقد السينمائي، حيث اختار الراحل أن يكتب في وداع المخرج سميح منشى، وذلك في عدد 31 يناير بجريدة القاهرة، ونعيد نشر المقال كما هو.
"سميح منسي" بركان الحمم والأفكار .. والمعارض من طراز خاص ورفيع
في صدر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" اختار المخرج سميح منسي مقولة: «لو كان بيدي أن أمحو لمحوت سنوات من الطيبة الزائدة عن الحد، والسذاجة التي تصل إلى الاعتقاد بأن كل الناس أنقياء» للكاتب العالمي جابرييل جارسيا ماركيز شعاراً له، وبعد أن غيب الموت سميح منسي (1956 – 2023)، أدركت أنه اختار عنواناً لحياته .
ملامحه الهادئة كانت تُخفي بركاناً اقتربت حممه من السطح، لكنه – وهذا العجيب في الأمر – ظل محافظاً على وقاره، وابتسامته، والأمل في صلاح الأحوال، بعد أن ظُلم كثيراً، رغم دأبه واجتهاده وحماسته، وهو ما يظهر جلياً في مسيرته الإبداعية، التي لم أصدق عيناي عندما أطلعت عليها؛ فعلى صعيد الأفلام التسجيلية أنجز ما يقرب من 13 فيلماً تسجيلية تنوعت عناوينها وموضوعاتها وقضاياها؛ فكان منها: «للذاكرة وقائع»، «الشيخ يغني»، «يوم في أبو الريش»، «متاعب نسائية»، «مرسوم على البحر»، «سيوة محمية»، «تدوير المخلفات الصلبة بمحافظة الفيوم في جزئين »، «أغنية في المنفى»، «الملك فناناً»، «مقاهي وأزمنة»، «نازلين التحرير» (جزء أول) و«قناة السويس » في جزئين .
وكان آخر فيلم من إنجازه هو «سيرة البطل المصري»، أما منجزه في سياق الأفلام الروائية القصيرة فتلخص في: «الرجل ذو الشارب والبيبيون»، «توبا» و«آوان البحر». وعندما قادته قدماه إلى السينما التجريبية قدم: «رؤية الشيطان س»، «الحد المرن» و«برودة القلق».
هنا يسترعي الانتباه أن «سميح »، الذي تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهر، ودرس الإخراج في المعهد العالى للسينما، ودرس بالمعهد العالي للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، وعين مخرجاً بالمركز القومى للسينما، كان يتبنى القضايا التي تُشكل جزءاً من شخصيته النفسية والإنسانية. وظل طموحه يقوده طوال حياته الوظيفية؛ حيث تقلد منصب مدير إدارة الأفلام التجريبية، ومنصب مدير مركز الثقافة السينمائية، ومديرعام الإدارة العامة للإنتاج بالمركز القومى للسينما، وعضو لجنة السينما بالمجلس الأعلي للثقافة .
غير أن المثير للدهشة أن طموحه الإنساني الأخلاقي والمشروع وقف حائلاً دون ترقيه بالشكل الذي يليق بامكاناته، وهي الواقعة التي أماط اللثام عنها د. وليد سيف، رئيس المركز القومي السابق للسينما؛ عندما كتب عقب الوفاة مباشرة :"سامحنى يا سميح يا منسى كان سميح الله يرحمه راغبا بشدة فى المد له مديرا عاما للإنتاج بالمركز القومى للسينما عند بلوغه سن المعاش وواجهت هذه الرغبة بمنتهى الحدة بكل أسف.. كنت أعتقد أن الدماء الجديدة سوف تحسن من حال الإدارة لكنها مع الأسف كانت دماءا فاسدة.. كان سميح سواء اتفقت أو اختلفت معه إنسانا نقيا وفاضلا، فضلا عن إنه فنان بلا أدنى شك.. فليرحمه الله ويغفر لى وله".
وكان «سميح» قد روى لي الوقائع كاملة، ونحن في الدورة الأخيرة لمهرجان الإسماعيلية . غير أن شهادة لوجه الله في حق إنسان غيبه الموت أنصفته نطق بها مهندس الديكور شادي الأماني دياب، عندما كتب على صفحته الشخصية يقول : "هذا الرجل كان فناناً و محترماً وخدوماً ..وراجل و كان اول واحد شجع جيل الشباب بالمركز بدون اى مصلحة هو اول واحد سعى فى تعيين جيل الشباب فى الإدارات الفنية لما كان مدير عام الإدارات الإنتاجية بالمركز القومي للسينما . رحمة الله عليه ، كانت الضحكة الحلوة ودمه الخفيف ما بيفارقش وجهه و يستقبلك اجمل إستقبال. كان داعم قوى لجيل الشباب و كمان تحس انه شاب و كان يقول كده و كان ثائر على الغلط ويكفيه أنه عمل أحد أهم أفلام ثورة 25 يناير من انتاج المركز القومي للسينما وكان مخلص فيه و سبحان الله مات يوم 25 بناير ده أكبر تكريم لهذا الرجل الفنان عليه رحمة الله".
حظ أم مؤامرة !
مرة أخرى تعود لتلح علينا عبارة "ماركيز"، التي يقول فيها : «لو كان بيدي أن أمحو لمحوت سنوات من الطيبة الزائدة عن الحد، والسذاجة التي تصل إلى الاعتقاد بأن كل الناس أنقياء»، ففي تلك السنوات عمل سميح منسي كمساعد مخرج في الأفلام السينمائية (تسجيلية / روائية طويلة)، كما عمل كمخرج منفذ فى الدراما التليفزيونية، وأخرج برنامجاً تلفزيونياً بعنوان "لحظة نور" (58 حلقة) ،ومارس الكتابة في السينما، وأخرج افلام و تنويهات دعائية قصيرة، وأفلام تجريبية قصيرة لحساب المؤسسة الثقافية "بروهلفسيا" السويسرية الأمر الذي يعني أنه صار مهيّأً لإخراج فيلمه الروائي الطويل الأول، وبالفعل جاءته الفرصة في تجربة "واحد كابتشينو"(2005)، الذي أنتجه وقام ببطولته عبد الله محمود، لكن لأسباب غامضة لم يعرف أحد أسبابها حتى يومنا هذا ظل الفيلم حبيس العلب، لمدة تقترب من العام ونصف العام، ما اضطر منتجه، الذي كان يصارع المرض الخبيث، إلى بيعه لإحدى القنوات الفضائية من دون أن يُعرض في صالات السينما، ما أصاب سميح منسي بُغصة أزعم أنها كانت إرهاصة الأزمة القلبية التي لازمته بقية حياته، وحتى عرضه الأول في إطار الدورة الثانية لمهرجان الفيوم الدولي لسينما الشباب لم يرو ظمأه، ولم يُشف غليله .
أفكار لم تر النور
رحل سميح منسي عن عمر بلغ 67 عاماً لكن أحلامه لم تمت في أية لحظة؛ فقد كانت تنتظره الكثير من المشروعات والأفكار؛ مثل فيلم "المايسترو" الذي كان يُحضر له، عن الموسيقار العالمى أحمد الصعيدى، كما أنهى استعداداته لتصوير ومونتاج فيلم تسجيلى بعنوان "صانع يوم 23 يوليو 1952" عن الضابط المناضل البطل والشاعريوسف صديق، كما كان يُحضر لتصوير فيلم تسجيلي عن د.أميره حلمي مطر، أستاذته في الفلسفة، وأكد لأصدقائه المقربين أنه بصدد إنجاز مجموعة أفلام تسجيليه جديدة عن شخصية مصرية بسيطة باسم "عم إمبارح".. وفيلم "صورني ابعتلي ع الواتس وإنستجرام" وفيلم مصري عن تاريخ مجموعة جنود "الكتيبة الطبية" المصرية.
لقد كان بركاناً من الحمم والأفكار، ومثقفاً لديه قدرة على نظم فكرته ورسالته بشكل يمزج بين الجدة والسخرية، وفوق هذا كله معارضاً من طراز خاص ورفيع .
مقال مجدي الطيب
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.