عقارات / متر مربع

سيد هاني يتذكر : كتبت رسالة حب لزميلتى فى الجامعة .. فتحولت إلى قضية أمن دولة ..!!

صفحة من الذكريات ..

كتبت رسالة حب لزميلتى فى الجامعة ..
فتحولت إلى قضية أمن دولة ..!!

————————————

السيد هاني

——————————————-
التحية واجبة لمدير مباحث أمن الدولة فى الزقازيق سنة ١٩٧٢ ..
لا أعرف اسمه .. ولم أسأله يوما عن اسمه .. لأن كثيرا من ضباط مباحث أمن الدولة يعيشون بين الناس بأسماء مستعارة..
لكننى مازلت أتذكر ملامحه .. كان شديد الشبه بالممثل يوسف شعبان .. كان مكتبه يقع بالطابق الثالث فى مديرية الأمن بالزقازيق .. يقف دائما عند باب المكتب عسكرى شديد اليقظة .. كثير الإحترام لكل من يطلب مقابلة “الباشا” مدير مباحث أمن الدولة ..
رغم مرور أكثر من نصف قرن على هذه الأحداث .. إلا أنها مازالت محفورة فى ذاكرتى ..
* * *

علاقتى بالرجل بدأت عندما كنت طالبا بالسنة الثانية فى كلية الزراعة جامعة الزقازيق .. وكنت رئيسا لتحرير مجلة “السنبلة” التى تصدرها الكلية .. فحملت المقالات والرسوم و”ماكيتات” المجلة وذهبت بها إلى مطبعة “النجاح” بالزقازيق لطباعتها .. واتفقت مع صاحب المطبعة على أن استلم المجلة مطبوعة بعد أسبوع ..

•⁠ ⁠لكن مر أسبوع .. واسبوعان .. وشهر .. ولم استلم المجلة .. وفى كل مرة كنت أسمع من صاحب المطبعة أعذارا مختلفة .. حتى أوشك العام الدراسى على الإنتهاء .. فانفعلت عليه .. وطلبت منه أن يعطنى مواد المجلة لكى أطبعها فى مطبعة أخرى .. فإذا بالرجل يصارحنى بما لم يستطع قوله فى السابق .. قال لى : “المجلة فى المباحث” .. !

•⁠ ⁠سأختصر التفاصيل .. وأقول إننى توجهت مباشرة إلى مدير مباحث أمن الدولة فى الزقازيق .. كنت واثقا من أنه ليس هناك أى اعتراض على المجلة .. فليس بها مقالات ضد الحكومة .. معظمها طرائف وقصائد شعر كتبها طلبة الكلية فى حب زميلاتهم .. فلماذا تحتجز مباحث أمن الدولة المجلة وتعطل طبعها ..؟
•⁠ ⁠ذهبت منفعلا .. بحماسة الشباب .. إلى مديرية أمن الزقازيق أسال عن المجلة ..
•⁠ ⁠انتهى بى المطاف إلى مكتب مدير مباحث أمن الدولة فى الزقازيق .. فوجئت برجل شديد الوقار .. شديد الأدب .. بشوش الوجه .. يعطيك إحساسا قويا بالإطمئنان له .. استقبلنى بحفاوة بالغة .. وببساطة شديدة أخرج المجلة من درج مكتبه وأعطاها لى ..

•⁠ ⁠فهمت دون أن يصرح لى .. أن الرجل احتجز المجلة لديه .. لكى يذهب إليه رئيس التحرير يطلبها منه .. فيعرف توجهاته .. وميوله الفكرية ..
•⁠ ⁠لذلك قال لى قبل أن أنصرف: “ضرورى نشرب شاى مع بعض” .. ثم طلب من العسكرى الواقف أمام باب مكتبه “يعمل لنا فنجانين شاى” ..!
•⁠ ⁠رحبت بدعوة الرجل لشرب الشاى .. كانت لدينا رغبة مشتركة فى التعارف .. هو بطبيعته الأمنية .. وأنا بطبيعتى الصحفية التى يغلب عليها الفضول ..
•⁠ ⁠ولا أغفل أيضا أن الرجل كان على درجة من اللطف والأدب والتواضع .. شديدة التأثير فى كل من يتعامل معه .. تجعلك ترغب فى صداقته ..!

•⁠ ⁠جاء العسكرى بفناجنين من الشاى على صينية .. ثم فوجئت بمدير المباحث يفتح درج مكتبه ويخرج منه برطمانا زجاجيا به سكر .. ويضع فى كل فنجان ملعقتين صغيرتين من السكر .. كنا فى عام ١٩٧٢ .. البلد تستعد لحرب تحرير سيناء .. والأزمات التموينية تعصف بالبلد .. ومنها أزمة السكر .. فأتى الرجل بنصف برطمان سكر من بيته ووضعه فى درج مكتبه لاستخدامه فى تحلية الشاى عندما يأتى إليه الضيوف ..

•⁠ ⁠تأثرت بالرجل جدا .. كان شديد الذكاء .. فأدرك بسرعة أننى لست من هذا النوع الذى يمكن أن يتحدث عن زملائه .. أو يكتب عنهم تقاريرا .. فلم يسألنى أبدا عن زملائى أو عما يجرى فى الكلية .. كانت له وسائل أخرى لمعرفة هذه الأخبار .. واكتفى فى علاقته معى بأن يكون له صلة مباشرة مع رئيس تحرير مجلة الكلية ..

•⁠ ⁠صرت بعد ذلك .. كلما تأخرت المجلة فى المطبعة أذهب إليه مباشرة .. فيعطها لى .. وفى كل مرة يدعونى لشرب فنجان شاى معه .. ونتحدث فى الأمور العامة .. كالأزمات التموينية .. وتعطل اتوبيسات الأقاليم .. وغير ذلك ..
•⁠ ⁠وذات مرة دفعنى فضول الصحفى إلى أن أساله عن سر اهتمامه بقراءة ما يكتب فى مجلة “السنبلة” التى تصدرها كلية زراعة الزقازيق .. قلت له : إن معلوماتى ان مهمتكم فى مباحث أمن الدولة هى البحث عن جواسيس إسرائيل فى البلد .. فما علاقة مجلة “السنبلة” بذلك ..

•⁠ ⁠ابتسم الرجل وقال لى .. لازم نعرف كل حاجة بتحصل فى البلد .. لازم نعرف دبة النملة .. الأمور التى تراها أنت غير مهمة .. هى مهمة بالنسبة لنا .. حتى الأمور الشخصية ..
•⁠ ⁠قلت له : وماذا يهمكم فى الأمور الشخصية .. أنا مثلا أرسلت لزميلتى خطابا فى الأجازة الصيفية .. ولم ترد على .. هل هذا يهمكم ..؟
•⁠ ⁠ضحك كثيرا .. وقال لى: لازم أنت زعلتها .. على العموم سنبحث الأمر ..!
•⁠ ⁠اعتبرت الأمر “مزحة” .. ولم أعلق ..

* * *
أما قصة الخطاب الذى أرسلته لزميلتى .. وتحول إلى قضية أمن دولة .. حققت فيها نيابة الزقازيق .. فتعود إلى أننى فى صيف عام ١٩٧٢ .. شاركت فى أحد اللقاءات الفكرية التى كانت تنظمها الجامعات فى الأجازات الصيفية .. وتعرفت خلال هذا اللقاء على طالبة بكلية الآداب جامعة القاهرة .. كانت طبيعتى الخجولة لكونى قادم من الأرياف تمنعنى من أن أبدأ الكلام مع أى فتاة .. فبدأت هى الكلام معى .. تواصل الكلام .. وشعرت باهتمام من جانبها بى .. حتى أنه عندما اتفق عدد من الزملاء فى اللقاء الفكرى على أن نذهب إلى سينما “مترو” لمشاهدة أحد الأفلام الأجنبية المعروضة بها .. اقترحت على ان نذهب معهم .. وجلست بجوارى فى السينما ..!

•⁠ ⁠كان ذلك بالنسبة لى “حدث جلل” .. فأنا القادم من القرية أجلس الآن فى سينما مترو .. بجوار فتاة جميلة كالقمر .. طالبة بكلية الآداب جامعة القاهرة .. نتبادل الحديث همسا .. فى الضوء الخافت جدا داخل السينما .. وأحيانا نتبادل الإبتسامات ..
•⁠ ⁠كنت أتمنى ان يتوقف الزمن عند هذه اللحظة الجميلة .. وكان لسان حالى يقول : “خلاص .. أنا مش عايز من الدنيا حاجة بعد كده” ..
•⁠ ⁠لكن الزمن لم يتوقف .. انتهى عرض الفيلم .. أضيأت أنوار السينما .. وخرجنا .. تصافحنا وافترقنا ..!
•⁠ ⁠عدت إلى الزقازيق .. وبقيت هى فى القاهرة على وعد بيننا باللقاء ..
•⁠ ⁠فى الموعد الذى اتفقنا عليه .. سافرت إلى القاهرة .. والتقينا حول حديقة الأزبكية بالعتبة .. لم نجلس بجوار بعضنا البعض فى الحديقة .. وكانت تنتشر بها الأرائك .. فضلنا أن “نتمشى” حول سور الحديقة .. لكى يبدو الأمر وكأننا التقينا صدفة .. فلا يلومنا أحد ..!
•⁠ ⁠طوفنا حول سور الحديقة أكثر من عشرين مرة .. ولم نشعر بالتعب ..!!

كان الوقت مساء .. فى أول ساعات الليل .. وكانت تصدح من محال العتبة أغنية أم كلثوم ” الحب كله حبيته فيك” .. كانت تسير بجانبى .. تكاد تلتصق بى .. كنا سعداء جدا معا .. بهذه اللحظات الجميلة التى تواعدنا والتقينا فيها ..!
•⁠ ⁠مرة أخرى تمنيت أن يتوقف الزمن .. لكن الزمن لا يتوقف .. انتهت اللحظات الجميلة .. وافترقنا على صوت أم كلثوم .. وعدت فى قطار العاشرة إلا الثلث مساء إلى الزقازيق .. وعادت هى إلى بيت أسرتها فى منطقة “الدقى” ..
•⁠ ⁠شعرت بأن الاقدار أهدتنى قصة حب جميلة مع هذه الفتاة الرقيقة .. كنت أحدثها دائما عن أحلامى فى العمل بالصحافة والإنتقال للعيش فى مدينة القاهرة بمجرد انتهاء دراستى الجامعية بالزقازيق .. هى أيضا كانت تحدثنى عن أحلامها بعد التخرج من الجامعة ..

•⁠ ⁠عدت إلى الزقازيق وقررت ألا أقطع علاقتى بها أبدا .. سأرسل لها الخطابات .. وألتقى بها كلما سافرت إلى القاهرة.. فجلست ذات مساء وكتبت لها خطابا مليئا بالمشاعر والأحلام .. ووضعته فى صندوق البريد ..
•⁠ ⁠مرت الأيام .. ولم أتلق منها ردا ..
•⁠ ⁠بدأت اشعر بالقلق .. وأسأل نفسى .. لماذا لم ترد..؟ هل تحولت مشاعرها عنى..؟.. أما ياترى هل وقع الخطاب فى يد والدها فضربها وحذرها من الرد على خطابى..؟
•⁠ ⁠عشرات الأسئلة ملأت رأسى .. فقلت لأكتب إليها خطابا ثانيا .. لكنها أيضا لم ترد .. ظننت أنها أهملتنى .. فغضبت جدا .. ولم أكتب لها بعد ذلك .. !!

* * *
•⁠ ⁠مرت أيام .. وأسابيع .. وشهور ..وعندما ذهبت إلى مدير مباحث أمن الدولة فى الزقازيق .. أطلب منه أحد أعداد مجلة “السنبلة” للطبع .. وجدته يبتسم ويقول لى : أنت ظلمت حبيبتك .. خطاباتك لم تصل إليها ..
•⁠ ⁠سألته : وكيف عرفت ذلك ..؟
•⁠ ⁠قال : عندما قلت لى أنها لا ترد على خطاباتك .. أمرت بوضع مكتب بريد الزقازيق تحت المراقبة .. فاكتشفنا أن أحد موظفيه يقوم بفتح الخطابات الموجهة إلى الفتيات والنساء .. ويتسلى بقراءتها .. ضبطناه .. وتمت إحالته إلى نيابة أمن الدولة ..!
————————————
السيد هانى ..
نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية ..
الكاتب المتخصص فى الشئون الدولية ..
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ..

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا