اقتصاد / صحيفة الخليج

تصادم والتكنولوجيا.. هل ينقذ الذكاء الاصطناعي الأخضر الموقف؟

كان من المفترض أن يُبشّر التحول الرقمي بعالم أنظف وأكثر خضرة، قبل ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومراكز البيانات العملاقة المتعطشة للطاقة بكميات تكفي دولاً بأكملها. الأمر الذي يثير مخاوف مُلحّة، بشأن التأثير البيئي للقطاع وتقنياته الحديثة اليوم.

فهل يُمكن لمصادر الطبيعية المتجددة، مثل الرياح والشمس، تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي؟ على الأرجح لا. لكننا سنحتاج ربما إلى تغيير طريقة تدريب نماذج اللغات الكبيرة وترميز التطبيقات. وبدون ذلك، سيواجه الذكاء الاصطناعي والتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة مساراً تصادمياً يجب تجنبه.

لقد أذهلت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي»، العالم بقوتها الحاسوبية، وبحجم استهلاكها للطاقة أيضاً، فقد وجد تقرير حديث صادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، أنه بحلول عام 2028، سينمو الاستخدام السنوي للذكاء الاصطناعي للكهرباء إلى ما بين 160 و320 تيراوات لكل ساعة. وهذا يفوق إجمالي الكهرباء التي تستهلكها مراكز البيانات الأمريكية بشكل عام.

ولك أن تتخيل أن 320 تيراوات لكل ساعة، يمكن أن تُغذي 20% من جميع المنازل الأمريكية لمدة عام، في حين يُمكن أن يُنتج توليدها كمية من الكربون تُعادل 300 مليار ميل من القيادة الجوية، أي ما يُعادل تقريباً 1600 رحلة ذهاباً وإياباً بين الأرض والشمس.

وهذا ليس بالمستغرب، فمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تعمل على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، لذا فهي تحتاج إلى طاقة مستمرة. ولا تستطيع التقنيات المتقطعة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي تعتمد على الطقس، تلبية جميع الطلب، لذلك غالباً ما تلجأ تلك المراكز إلى توليد الطاقة الكثيفة الكربون.

وجدت دراسة لجامعة هارفارد، عام 2024، أن اعتماد مراكز البيانات على توليد الطاقة من الوقود الأحفوري أعلى بنسبة 50% تقريباً من المتوسط .

وحرصاً منها على حماية مصداقيتها المستدامة، استجابت شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل أمازون وغوغل وميتا، لنهج الاستثمار في الطاقة النووية، وتعهدت بالمساهمة في مضاعفة طاقة العالم الذرية ثلاث مرات، بحلول عام 2050.

ولكن ماذا عن اليوم؟ بعد سنوات من تهميشها بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، لا تمثل الطاقة النووية الآن سوى 20% من كميات توليد الطاقة في الولايات المتحدة، وبالكاد تُشكل جزءاً ضئيلاً من الكهرباء، التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي.

تُشبه النماذج اللغوية الكبيرة محركات فائقة الشحن تدور باستمرار، وتعالج في كل الأوقات عشرات الملايين من الاستدلالات، عبر نماذج مختلفة الأحجام، تؤثر بشكل مباشر على طلب الطاقة. وبعد نقطة معينة، تحتاج هذه الأنظمة إلى المزيد من الرقائق للعمل، وكل رقاقة جديدة بحاجة إلى طاقة أكبر. وتحتوي النماذج الصغرى مثل LLaMA على نحو 65 مليار مُعامل، في حين يحتوي Mistral على قرابة 24 مليار مُعامل. كما يستخدم نموذج ديب سيك R1 670 مليار مُعامل، ويُقدر أن «تشات جي بي تي 4» يتعاطى مع أكثر من تريليون مُعامل.

إذاً، نحن أمام مكتبة ضخمة من نقاط البيانات، ومعالجتها بسرعة تجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي والحوسبة الكمومية وغيرهما من التقنيات الرائدة في حاجة ماسة إلى بنية حاسوبية أكثر استهلاكاً للطاقة، والمسؤولون عن شبكات الكهرباء اليوم يبذلون قصارى جهدهم لمواكبة هذا الطلب.

بنية تحتية

ولّدت المملكة المتحدة ما يكفي من الطاقة المتجددة، العام الماضي، لتزويد كل منزل في البلاد، فلماذا لا تستطيع مراكز البيانات طلب المزيد من الكهرباء الخضراء من الموردين؟

تزداد الأمور تعقيداً، عندما تحاول شركات المرافق ربط توليد الطاقة الخضراء بنقاط احتياج محددة. فمعظم الشبكات غير مُهيأة لهذا النوع من الاستجابة الدقيقة للطلب.

وقد يعني انقطاع التيار الكهربائي عدم إنتاج طاقة نظيفة كافية، وأحياناً يعني ذلك فائضاً، لذلك، يجب توفير بنية تحتية لتخزين الطاقة النظيفة وضمان توفرها بيسر في فترات الذروة.

وقد يُساعد تحديث أنظمة توزيع الكهرباء، وإضافة تخزين بطاريات على نطاق المرافق، وزيادة القدرة النووية، في مزيج توليد الطاقة، لكن بناء البنية التحتية يستغرق وقتاً. فماذا سيحدث في ظلّ الطلب المتزايد على الكهرباء من الذكاء الاصطناعي الذي يُشكّل اختناقاً اليوم؟

أحد الخيارات التي لجأت إليها شركات الطاقة الفائقة التوسّع هو ترشيد سعة الحوسبة، وهو ما يعني عملياً تفضيل احتياجات الحوسبة لعميل على آخر أحياناً. كما أن ظهور نماذج لغوية أصغر، مصممة لمعالجة حالات استخدام محددة، وتتطلب تكراراً أقل للعمليات من الناحية الحاسوبية، سيوفر الكثير من الجهد الزائد، وبالتالي استهلاك طاقة أقل.

وتشجع «مايكروسوفت» بالفعل الشركات على تجربة نماذج صغيرة، من خلال مجموعة «Phi-3» المفتوحة من مجموعات البيانات الجاهزة للذكاء الاصطناعي.

أما الحل الأسهل من وجهة نظر أخرى، فيكمن في الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري، فعلى الرغم من جميع مشكلاتها، فإن محطات حرق الفحم والنفط والغاز تعمل بكفاءة وموثوقية، وتقع بالقرب من الأماكن التي تتجمع فيها مراكز البيانات.

يمكن القول إن المخاوف بشأن الاستهلاك الهائل للطاقة من قِبل الذكاء الاصطناعي التوليدي ليست جديدة. لكن الحلول التقليدية، والمتمثلة في تشييد المزيد من محطات الطاقة المتجددة وشبكات توزيع الكهرباء الحديثة، ستستغرق سنوات حتى تتحقق.

وقد لا يكون الحل في مزيد من الطاقة فحسب، بل في ذكاء جديد يوجّه هذا الذكاء، ويُعيد تصميم النماذج، ويُرشد الحوسبة، ويجعل التكنولوجيا حليفاً حقيقياً لكوكب يئنّ تحت وطأة التغيير.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا