الارشيف / فن / صحيفة اليوم

نزهة الأحاديث

في عصرية يوم جميل، كانت السحب فيه تدثر السماء، وكان النسيم رقيق الهبوب يبعث في الخاطر هدوءا، كنت أسير وصفيتي في محل للوحات، كانت اللوحات مرتبة بطريقة أنيقة حسب الأحجام عندما تنظر للرواق من أوله لآخره عينك تمتد بانسجام، تنقلنا من لوحة لأخرى، وعند كل لوحة كنا نتناقش عن الفكرة وكان حديثنا يكشف كيف لكل إنسان رؤية، قد تشبه زاوية نظر الطرف الآخر وقد تختلف اختلافا شاسعا، بل وقد يتغير محور الفكرة.
سرني كيف كنت أتحدث عن اللوحة، وكيف كانت تتحدث، ولم يقتصر حديثنا عن ماهية الفكرة من خلال مرئياتنا المتفقة والمختلفة، بل أيضا عن ألوانها وتناسقها، وما أعجبنا، وما لم يروق لنا، وكنا نعطي تقييما لكل واحدة، وكثيرا رغم اختلاف زوايا نظرنا كنا نتفق في التقييم على كل لوحة.
توقفنا عند لوحة راقت لي كثيرا، وتخيرتها لأتحدث لكم عنها، كانت لوحة بخلفية لؤلؤية يتوسطها بميلان على اليسار إناء زجاجي دائري شفاف بثلاثة أرجل فضية منقوشة وداخله ماء صافي اللون يغطي قطة صغيرة شيرازية تتنفس داخله رصاصية متموجة الدرجات، وجهها متجها لليمين، اكتست ملامحه، خوفا من سمكة تنظر إليها مرسومة بإتقان رسمت بعيدة عن الزجاجة سنتيمترات، كانت أكبر من حجم القطة بقليل من نوع الفاتير ملونة بألوان كثيرة أزرق فيروزي وتركوازي وأحمر قان وبرتقالي نابض وبنفسجي شابه صفار قليل، وتخيرتها لأن الحال فيها مقلوب وقلت لصفيتي: ما أجملها من درس كتب بلون ورسم يثبت في الذهن أظن بعده لن أنسى هذا العرف.
نظرت لي وقالت: نعم درس أخلاقي عظيم، فلو وضع كل منا نفسه مكان الآخر كيف سيجري الكون؟ وبدأنا نضرب أمثلة سأقول لكم بداياتها وأنتم خمنوا مجرى باقي الحديث، فلو وضع المعلم نفسه للحظة مكان الطالب كيف سيكون النهج؟ وكيف سيتصرف الطبيب لو ارتدى لوهلة اضطراب المريض؟ وكيف سيتصرف المراجع إن تصور نفسه موظفا مزحوما أو محموما؟ والابن كيف سيشعر إن حل في خياله مكان والده أو والدته اللذين يخفان عليه كثير؟ والقاضي كيف سينهج في اتخاذ حكمه إن اعتبر نفسه الجناني؟ والمدين ماذا لو كان هو الدائن؟ والسيد كيف سيحب أن يعامل لو كان هو الخادم؟
أنا وهي في أحاديثنا عندما قلبنا الوضع جودنا المعطيات وراقت لنا كثيرا الخيالات، وقررت في نهاية نزهة الأحاديث التي اقترنت باللوحات أن أقتني هذه اللوحة ووضعتها على مكتبي في إطار فضي صغير رغم صغره عظيم المفاهيم ففيه كثير من الوقفات ولفتات الروح المعنونة بـ «من السهل أن تكون إنسانا».
*إطار
ضع نفسك مكان غيرك قبل أن تصدر حكما أو تطلق رأيا أو تنحاز لطرف أو تمارس مهنة أو سلطة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا